بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن الله سبحانه وتعالى بيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، لا معقب لحكمه، {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23]، وهو الذي يقول في محكم التنزيل {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:67]، وقد شاء بحكمته البالغة أن يختم الرسالات والنبوات ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يجعل الدين الذي جاء به مكملاً للأديان، فقد أكمل به الله الدين لأهل الأرض، فلا يمكن أن يأتيهم خطاب من عند الله بعده؛ ولذلك قال في نهاية تنزيل أحكامه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ} [المائدة:3] فقد ارتضى الله هذا الدين دِيناً للبشرية كلها، وخاطبها بذلك، وقد جاء في الصحيح أن حبراً من اليهود جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين! آيةٌ في كتابكم لو فينا -معاشر اليهود- أنزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال: وما هي؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3] قال: أما إني لأعلم أين أُنزلت، ومتى أُنزلت، لقد نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقفٌ بعرفة يوم جمعة، ولم يعش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية إلا اثنين وتسعين يوماً، فكان ذلك في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، فعاش عشرين يوماً من شهر ذي الحجة، وثلاثين يوماً هي شهر المحرم، وثلاثين يوماً هي شهر صفر، وتوفي في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول، وقد أنزل الله عليه هذه الآية؛ إيذاناً بأن الوحي قد انقطع، وبأن الدين الذي ارتضاه الله للبشرية هو هذا الإسلام الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.