الجناح الثامن من أجنحة العلم التي يحتاج إليها الطالب: التدرب على التعليم والتلقين في وقت الطلب، فكثير من الناس فرغوا طاقاتهم للطلب، ولم يتعودوا على التدريس، فلم يدرسوا مدة الطلب، فلما كبروا لم يكونوا صالحين للتدريس، والتدريس مهارة مختصة لا يتقنها إلا من تدرب عليها.
فكثير هم أولئك المتقنون لكثير من العلوم لكن لا يستطيعون تقديم الدروس، ولا يستطيعون أن يشرحوا أي متن من المتون، وكثير هم أولئك الذين يعرفون كثيراً من المعلومات لكن لا يستطيعون توصيلها للناس، لأن تعبيرهم قاصر، أو ليست لديهم أساليب التفسير، وكثير هم أولئك الذين يعلمون المعلومات، ولكن لا يستطيعون الخطابة على المنابر، لضعفهم في شخصياتهم، فيحتاج الطالب في مدة الطلب أن يتعود على التدريس، وإذا وجد من يعلمه ذلك فبها ونعمت، ولو حتى مع زملائه في المذاكرة، وإن لم يجد فليبحث عن شيء يعلمه، كما كان الأعمش يتخذ تيساً فيحدثه ويشرح له ويقول: أفهمت؟ وهو تيس! فأراد أن يتعود على مهارة التعليم، حتى ولو لم يجد من يعلمه إلا هذا التيس.
فينبغي للطالب أن يتأهب لمثل هذه الأمور، وأن يتهيأ للخطابة والتعليم، وتقديم الكلمات، وتلخيص الدروس في وقت الطلب حتى يفلح عند تقديمها، ورب شخص ليس لديه من العلم إلا اليسير، ولكن بارك الله فيه؛ لأنه يزكيه ويقدمه، فينتفع الناس بعلمه ولو كان شيئاً يسيراً، وكم تعرفون من الدعاة الذين هم في عداد العوام من الناحية العلمية ولكن نفع الله بهم؛ لأنهم يزكون ما لديهم، فيقدمون ما عندهم ولو باللهجة العامية، ولو بالمستوى الضعيف، لكن ينفع الله بهم!