وكذلك فإن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: (هل بقي عليه بعد موت والديه شيء من برهما؟ فأخبره بخمس فقال: نعم، أن تصلي عليهما، وأن تستغفر لهما، وأن تنفذ عهودهما، وأن تصل أرحامهما، وأن تصل ذوي ودهما)، فهذه خمسة أمور تبقى بعد موت الوالدين من برهما.
وقد صح في الصحيحين عن ابن عمر (أنه كان في طريقه بين مكة والمدينة، فأتاه أعرابي فأعطاه ابن عمر حماراً له كان يركبه، وعمامة له كان يستظل بها من الشمس، فقال ابن دينار وهو مولى ابن عمر راوي الحديث عنه: رحمك الله يا أبا عبد الرحمن! إنهم الأعراب وإنهم يرضون بأقل من هذا، فقال ابن عمر: إن أب هذا كان صديقاً لـ عمر بن الخطاب، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن من أبر البر أن يصل الولد -وفي رواية: الرجل- ذوي ود أبيه)، أي الذين كان بينهم وبين أبيه ود، فمن أبر البر أن يصلهم ولده.
وهذا لا يختص بالوالد الذكر، بل يشمل كل والد والأم داخلة في عموم الوالد؛ وهكذا آباؤها وأمهاتها.
فالصلة أصلها للرحم، والرحم في الأصل مكان الولد من الأم، فالأرحام من جهة الأمهات في الأصل أكثر دخولاً في صلة الرحم من الأرحام من جهة الآباء، ولهذا كان العرب يفرقون في النسب بين الظهر والبطن، أو بين الظهر والرحم، فالأرحام قد تطلق على أقارب الأم فقط؛ لأن الولد خرج من رحم أمه، والرحم مشتق من ذلك.