إن الذين يريدون سلوك هدي النبي صلى الله عليه وسلم وطريقته عليهم أن يصلوا أرحامهم، والجفوة التي نشهدها بين كثير من الشباب الذين يتسننون ويأخذون بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وبين أرحامهم، دليل على نقص الفقه في السنة.
فلو كان أولئك من المتضلعين بالسنة لوصلوا أرحامهم ولما قطعوها، حتى لو كان ذوو أرحامهم من المبتدعة، فإن ذلك لا يقتضي قطيعة الرحم، بل لابد أن يصلوا رحمهم حتى لو كان الرحم مبتدعاً؛ ليتخلقوا بخلق النبي صلى الله عليه وسلم، وليهتدوا بهديه.
فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم (أنه عندما قفل من غزوة بدر نزل بفج الروحاء أو بالصفراء، فأمر علي بن أبي طالب أن يضرب عنق النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط صبراً، ففعل، فأتاه كتاب من قتيلة أو نتيلة ابنة النضر أو أخته من مكة فيه هذه الأبيات: يا راكباً إن الأثيل مظنة من صبح خامسة وأنت موفق أبلغ به ميتاً بأن تحية ما إن تزال بها النجائب تخفق مني إليك وعبرة مسفوحة جادت بواكفها وأخرى تخنق هل يسمعنَّ النضر إن ناديته أم كيف يسمع ميت لا ينطق ظلت سيوف بني أبيه تنوشه لله أرحام هناك تشقق صبراً يقاد إلى المنية متعباً رسف المقيد وهو عان موثق أمحمد يا خير ضيء كريمة في قومها والفحل فحل معرق ما كان ضرك لو مننت فربما منَّ الفتى وهو المغيظ المحنق أو كنت قابل فدية فلنأتين بأعز ما يغلو لديك وينفق فالنضر أقرب من أسرت قرابة وأحقهم إن كان عتق يعتق فلما قرئت الأبيات على رسول الله صلى الله عليه وسلم دمعت عيناه، وقال: لو أتتني هذه الأبيات لأرسلته إليها برمته)، أي: بحبله الذي فيه، فهو امرؤ مشرك كافر، وكان محارباً لله ورسوله، ومع ذلك رق له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استنشد بالرحم.
إن من أراد التسنن بسنة النبي صلى الله عليه وسلم عليه أن يصل أرحامه، وأن يسعى لاستصلاحهم وانتصاحهم، وأن لا يقاطعهم، فليست مقاطعتهم بعلاج لما هم فيه من المخالفة للهدي النبوي، كذلك فإن على الذين أنعم الله عليهم بنعم لم تكن لدى من مضوا من أسلافهم، أن يعلموا أن قيد هذه النعم بشكرها، وإن من شكرها أن يصلوا أرحامهم بها، وعليهم أن يستشعروا نعمة الله عليهم، فليتذكروا حال أسلافهم وأجدادهم، وما كانوا فيه قبل أن يفتح الله عليهم ما فتح من أبواب الدنيا.
وليتذكروا كذلك أن الدنيا لا تدوم على حال، وأنها عرض زائل، وأن كل ما فيها إلى زوال، فما أعجل انقطاعها وانصرامها، فعلى من أوتي بعضها أن لا يغتر به، وأن يعلم أنه امتحان امتحنه الله به، وأنه إذا جعل الله الدنيا تحت يد البخيل، فإنه سرعان ما يذهب الله بها، كحال التراب الذي على الصخر عندما يأتيه المطر الشديد فيذهب به، كما ضرب الله بذلك مثلاً لحال الغني البخيل بالصخرة الصماء التي يجتمع عليها التراب، فيأتي المطر فيذهب به، فتبقى خالية ليس عليها شيء من التراب.
فعلى هؤلاء أن يتذكروا أن الله سبحانه وتعالى امتحنهم بما جعل تحت أيديهم، وبالنعمة التي آتاهم، فعليهم أن يشركوا فيها أقاربهم، وأن يعلموا أن الصدقة على القريب صدقة وصلة، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: والله لدرهم أنفقه على قريب لي أحب إليّ من عشرة أتصدق بها على معدم، ولعشرة أعطيها قريباً لي أحب إليّ من مائة أتصدق بها على معدم.