فالقريب أولى؛ لأن في ذلك صدقة وصلة، ولهذا جاءت زينب امرأة ابن مسعود رضي الله عنهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت امرأة من ثقيف وابن مسعود ليس قريباً لها فهو من هذيل، فجاءت هذه المرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله عن صدقتها على زوجها ابن مسعود، وكان من فقراء المهاجرين الأولين الذين خرجوا من أموالهم لله عز وجل، ولم يصحب من ماله إلا سيفه الذي هاجر به من مكة.
فجاءت امرأته تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صدقتها عليه أفيها أجر قال: (بل أجران، هي صدقة وصلة)، فلذلك فإن صدقة المرأة على زوجها هي صدقة وصلة.
وكذلك ما يهديه الرجل لامرأته وما يدفعه إليها مما آتاه الله من المال إذا نوى به الأجر فهو عظيم الثواب عند الله، ولهذا أخرج الشيخان في الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في فيّ امرأتك، أي: في فمها، فهو صدقة كذلك) أي: يعتبر أجراً عند الله سبحانه وتعالى.
ومثل ذلك إحسان الإنسان إلى أقاربه مطلقاً، حتى لو كان لديه من هو أقرب منهم، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن مخرمة أتاه فسمع صوته والنبي صلى الله عليه وسلم يقسم أثواباً أتته، فلما سمع صوت مخرمة أمسك ثوباً عنده، فلما دخل عليه رماه بين يديه فقال: (أرضي مخرمة؟ أرضي مخرمة؟)، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يداريه، أي: يسترضيه، وكان شيخاً كبيراً قد كف بصره، فخشي النبي صلى الله عليه وسلم أن يغضب عليه إذا وزع الأثواب ولم يعطه ثوباً، وكان بينه وبينه رحم، فهو من بني نوفل بن عبد مناف والنبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم بن عبد مناف.
وكذلك فإن القريب إذا كان محتاجاً فإن الأجر في صلته مضاعف، كما إذا كان القريب مريضاً فقيراً يحتاج إلى خدمة، فإن زيارتك له تؤديها بنيات كثيرة تثاب على كل نية بثواب عمل كامل، فنية الصلة وحدها تأتي بعمل كامل، ونية عيادة المريض، ونية المواساة، ونية خدمة المحتاجين، ونية التوسعة على الفقراء، كل هذه النيات يثاب عليها الإنسان بثواب عمل كامل عند الله سبحانه وتعالى، يضاعفه إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، والله يضاعف لمن يشاء.
وكذلك إذا قصدت الصلة من بعيد، فإن الخطى التي تسيرها تكتب في ميزان حسناتك، ويشهد لك كل ما تمر به من ذرات الهواء والتراب، وقد جاء عن فاطمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من خطوة بعد الجهاد في سبيل الله هي أحب إلى الله من خطوة في صلة الرحم)، فالخطوة أي: المسير الذي يسيره الإنسان.
وإن كثيراً من الناس قد تعترضه المشاغل والمشكلات الكثيرة، فتحول بينه وبين زيارة أقاربه فعليه أن يجعل لذلك أمداً ووقتاً يزورهم فيه وأن لا يقطعهم بحال من الأحوال، فإن استطاع أن يجعل ذلك أسبوعياً فبها ونعمت، وإن لم يستطع فليجعلها في كل خمسة عشر يوماً، فإن لم يستطع ففي كل شهر، وعلى الأقارب أن يساعد بعضهم بعضاً في الزيارة.
فلتكن زيارتهم متبادلة، فإذا كان هذا يزور في هذا الأسبوع، فالآخر يزور في الأسبوع الذي يليه وهكذا، حتى يقع التعاون على البر والتقوى ويقع التكامل، فلكل واحد منهما من الحق ما عليه.
نعم لكبار السن من الحق ما ليس عليهم، وللعجزة من الحق ما ليس عليهم.