ثم بعد مقام الشكر، يصل الإنسان إلى الخوف والرجاء فيصل إلى مستوى يعيش فيه بين خوف الله ورجائه، طيلة حياته كلها.
فأنت الآن تزعم أنك تخاف الله ولكن ذلك الخوف لا يمنعك من الوقوع في المعصية، وتزعم أنك ترجو ما عند الله، ولكن ذلك الرجاء لا يمنعك من القلق والخوف من غير الله، ومعناه أنك ما تحققت بعد من مقام الخوف والرجاء.
فمقام الخوف والرجاء إذا وصلت إليهما، عشت بينهما، فشاهدت الأمور من عند الله لا من عند الناس، وكنت، بين هذين المقامين بحيث يأتي الوعد من الله سبحانه وتعالى على أعظم درجات الكمال، ويأتي منه الوعيد على أعظم درجات النقص، فيبقى الإنسان متردداً بين الحالين، كما قال تعالى: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لا يَصْلاهَا إِلَّا الأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [الليل:13 - 16] فتقول ولله الحمد: أنا لست الأشقى، ولم أكذب ولم أتول، لكن إذا جاء الوعد: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل:17 - 21] فتقول: أنا أيضاً لست كذلك.
فتبقى متردداً بين الخوف والرجاء، تعيش بينهما وتذوق حلاوة ذلك، وهذه الحلاوة إنما يذوقها من وصل إلى مقام التردد بين الخوف والرجاء، وهو أحلى مقامات العيش، ولذلك يعبر عنه أصحاب العشق الدنيوي بما تمثله أبو الطيب المتنبي: وأحلى الهوى ما شك بالوصل ربه وبالهجر فهو الدهر يرجو ويتقي فكذلك في التعامل مع الله سبحانه وتعالى، إذا كان الإنسان متردداً بين الخوف والرجاء دائماً ذاق حلاوة هذه المعاملة.