استثار المامي الناس لبيعة خليفة ولإقامة دعوة للجهاد في سبيل الله، وكذلك الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سديه الذي دعا أيضاً للجهاد في سبيل الله، ورأى أن الدين مهدد من جهتين: إحداهما: البدو الذين يغيرون على الناس ويأخذون أموالهم وما لديهم من الممتلكات.
الثانية: جهة النصارى الذين يغزون من الجنوب، ويريدون إعادة الحروب الصليبية التي علا وجهها، وقد قال ذلك في قصيدتيه الرائية والهمزية، يقول في الرائية: حماة الدين إن الدين صار أسيراً للصوص وللنصارى فإن بادرتموه تداركوه وإلا يسبق السيف البدارا وكذلك حبيب الله بن القاضي من قبيلة ديدبا، فقد دعا أيضاً لبيعة خليفة، وجمع العلماء للمشورة فيه، فاختلف علماء ديدبا على قولين: القول الأول: ينبغي أن نقيم نحن إماماً وأميراً، فإذا اتفقت كلمة المسلمين بايعوه أو بايعوا غيره.
القول الثاني: قال: لا يحق لنا أن ننصب إماماً وحدنا، وإنما ننتظر بعد إشاعة هذه الدعوة بين الناس حتى يتفقوا عليها أو يرفضوها.
ولما أرادوا أن يتخلصوا حينئذ من إقامة الحجة عليهم، قالوا: نبايع أحدكم، فلم يترشح أحد من العلماء، لذلك لم تصل الإمرة لأحد، فبقيت المسألة دون أن يكون لها أثر.
ثم دعا سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم بعد هذا لإقامة دولة، وكان يرى من نفسه أنه يستحق إقامة بعض الحدود وإقامة الجمعة للناس، وإنه إنما نال ذلك بتفويض -على الأقل- من عبد الرحمن بن هشام في المغرب، وكان إذاك أمير دولة آل ملا إسماعيل، فأقام سيدي عبد الله جمعة في تجبجة، وأقام فيها بعض الحدود، وأرسل بعض تلامذته لذلك.
وكذلك قام في مختلف هذه البلاد بعض الدعاة الذين رجعوا من بلدان أخرى خارج هذه الأرض، فرأوا ما ينعم به أهل تلك البلاد من الانتساب إلى الخلافة العثمانية، فدعوا لربط الصلة بالخلافة العثمانية الموجودة في الأستانة في استانبول، فخرج وفد منهم لذلك، وما زالت ذراريهم إلى اليوم في استانبول، وأنا قد لقيت شيخاً منهم كبير السن كان جده من الذين وفدوا من هذه البلاد على السلطان عبد الحميد وبايعوه بالخلافة، وهو رجل من البصابيين، ما زال حياً اليوم في استانبول، وما زالت له زاوية، وما زال له أتباع في تلك البلاد، وقد خرج بفريق كامل لنصرة الخلافة عندما تداعت عليها الدول الصليبية ودول المحور، فأرادوا إسقاط الخلافة العثمانية فذهب هو لإقامة الحجة.
ومن هؤلاء أيضاً محمد محمود من تلاميذ الشركصي الذي ذهب أيضاً إلى الخلافة في الأستانة، وأرسله الخليفة في ذلك الوقت إلى النرويج سفيراً عن المسلمين كلهم للمفاوضة مع ملك النرويج في تسيير قافلة بحرية من الأسطول الإسلامي الذي كان محاصراً في بحر الشمال المتجمد.
وكذلك أحمد الأمين العلوي صاحب الوسيط، فقد كان يصبو للرجوع إلى هذه البلاد، لعل أهلها يعودون إلى بيعة أمير منهم يقف في وجه المستعمر الغاشم الذي بدأ يغزو البلاد، وقد تشبث بعض علماء هذه البلاد ببعض أمراء القبائل الذين كانوا أهل ديانة وعفة، فأرادوا أن ينصبوهم خلفاء؛ فلذلك اجتمعت كلمة بعض علماء (إيجيدي) على أن ينصبوا محمد أميراً لهذه المنطقة على الأقل، فنصب قاضياً منهم، وكان يقيم الحدود في وقته، فقد أقام حد القصاص على خمسة أشخاص، ولم يكن لديه آلة للقتل غير سكين يذبح به، وكان يقطع الأيدي، ويجلد الحد.