ثم إن التعامل مع الله سبحانه وتعالى مقتض أن يتعرف الإنسان على عجائب خلقه وتدبيره ولطفه، فإن الإنسان إذا لم يدرك هذه الحقائق يبقى جانب عظيم من تعلقه بالله مهملاً مغلقاً، لكن إذا رأى تصرف الله في هذا الكون الذي يخرج فيه النقيض من نقيضه والضد من ضده {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [يونس:31]، يرى العجائب العجيبة، وذلك مقتض منه لزيادة التعلق به، وزيادة محبته وزيادة الإيمان به وزيادة الرجاء وعدم الانقطاع عنه مطلقاً.
من رأى عجائب كون الله سبحانه وتعالى ودقائق ملكوته لم ينزعج ولم تسد أمامه الأبواب، ولم يقنط ولم ييأس {إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ} [يوسف:87]، فإذا تعالى الباطل وعلت صيحاته وانتفش وانتفخ فإن أهل الإيمان يعلمون أن الفرج قريب، وأن النصر مع الصبر وأن الذي أهلك قوم نوح فأمر السماء ففتحت أبوابها بالماء المنهمر وأمر الأرض فتفجرت عيوناً {فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر:12]، وأهلك عاداً بالريح التي سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً، وأهلك ثمود بالصيحة التي لم تبق لهم باقية، {وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى} [النجم:51] وأهلك قوم لوط بالحاصب الذي قلب مدينتهم، وأهلك أصحاب فرعون وفرعون بالتطام البحر والتقائه عليهم، غير عاجز عن أن يهلك أعداءه في أي زمان وأي مكان {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ * أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر:43 - 45].
فمن هنا لا ييأس الإنسان ولا يحزن إذا رأى انتفاش الباطل، لعلمه أن له صولة ثم يضمحل.