من حسن التعامل مع الله دعاؤه والتضرع إليه

كذلك: الدعاء فإنه مقتض أن يتذكر الإنسان مذلته وفقره وعجزه فيتذكر ما يقابل ذلك من صفات الله المخالف للحوادث، يتذكر غنى الله المطلق، يتذكر دوامه وقيوميته التي لا انتهاء لها ولا انقضاء، يتذكر كرمه وجوده وسخاءه، يتذكر فضله وأن يده سبحانه وتعالى سحاء لا تغيض الليل والنهار.

ويتذكر حلمه ورأفته ولطفه فهو الذي يرى الناس على المعصية فيغفر ويستر، فما من أحد منا إلا ويتذكر مواقف بينه وبين الله يخجل منها، ويستحي أن يطلع الله عليه وهو على المعصية، ولكنه يستره ويسامحه وهو قادر على أخذه أخذاً وبيلاً بهذه اللحظة؛ نسأل الله أن يتبع الستر بالمغفرة وأن يغفر لنا ذنوبنا وخطايانا وإسرافنا في أمرنا.

فإذا تذكر الإنسان ذلك عرف أنه محتاج إلى هذا الدعاء، وأنه أساس من أسس شخصيته التي تميزه، فغير المسلم يدعو غير الله ويكثر من دعائه! والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر:13 - 14].

وهذا الدعاء لله سبحانه وتعالى هو حقيقة الغنى بالله عما سواه، والذي إذا أصابته أية مصيبة أو احتاج إلى أي حاجة، أو تذكر فقراً أو تذكر ذنباً بادر إلى باب الدعاء، فسيغلق الله عنه باب الفقر ويفتح له باب الغنى، فيستغني بالله عمن سواه، والذي إذا تذكر حاجة أو فاقة علقها بالمخلوق فبدأ يسأل الناس فإنه كلما سأل فتحت عليه أبواب أخرى من الفقر، فيجعل الله فقره بين عينيه، ويجعله متعلقاً بالآخرين دائماً، وهذا الذي كتبه الله على اليهود، فقد كتب الله عليهم الذلة والمسكنة، {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} [آل عمران:112] فهم دائماً يريدون من يحميهم، ويريدون من ينفق عليهم، ويريدون من يبدي لهم جانب الرحمة؛ لأنهم مفطورون على الذلة للمخلوق.

بخلاف أهل الإيمان فإن من أساس شخصيتهم أنهم يسألون الله الذي رضي لهم أن يسألوه فقال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] وقال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186] ولهذا يعلقون آمالهم ودعاءهم في حوائجهم كلها بالذي يقدر على قضائها، الذي لو اجتمعت الخلائق كلها في صعيد واحد فسألوه فأعطى كل واحد منهم مسألته ما نقص ذلك مما عنده إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، الذي لا يعجزه قضاء حوائج عباده، ولا تغيض يداه بل هما سحاءان بالليل والنهار، هذا هو الذي يستحق أن يسأل وأن يدعى ومن سواه لا يستحق ذلك، بل العباد مفطورون على البخل في الأصل؛ ولهذا يقول أحد الحكماء: لا تسألن بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تحجب فالله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب ويقول آخر: إذا عرضت لي في زماني حاجة وقد أشكلت فيها علي المقاصد وقفت بباب الله وقفة ضارع وقلت إلهي إنني لك قاصد ولست تراني واقفاً عند باب من يقول فتاه سيدي اليوم راقد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015