الجبهة الثانية: إخوان السوء: فالإنسان لابد أن يعيش في هذه الحياة الدنيا مع البشر، ولابد أن يخالطهم، ومن يخالطهم من الناس هم ثلاثة أنواع: النوع الأول: أخ كالغذاء لا يستغني عنه أبداً، وهو محتاج إليه في كل أحيانه، وهذا هو الذي يعينه على أمور الدين، فإذا جهل علمه، وإذا ضعف أعانه، وإذا نسي ذكره، وإذا وجده مقصراً نصحه، فهذا الأخ كالغذاء لا يستغني عنه الإنسان بحال من الأحوال.
النوع الثاني: أخ كالدواء، يحتاج إليه الإنسان في بعض الأحيان دون بعض، وهو الذي يعينه على أمور الدنيا، وهذا ينبغي أن يعده الإنسان دواء فيتقلل منه ما استطاع، فأنتم تعرفون الإعلان العالمي للصحة المكتوب على الأدوية كلها، إن هذا الدواء مستحضر مضر لصحتك فننصحك بالابتعاد عنه.
فكذلك الأخ الذي يعينه على أمور الدنيا: دواء مضر بصحتك فننصحك بالابتعاد عنه، والتقلل منه ما استطاع الإنسان؛ وهذا النوع من الإخوان هم الذين يرفع إليهم الإنسان حاجته عندما لا يستطيع عليها فيعينونه، فهم كالدواء الذي ينبغي أن يقتصر الإنسان منه على محل الضرورة، ولا يستعمله من غير مرض أصلاً.
والنوع الثالث: أخ كالداء، لا يعين الإنسان لا على دين ولا على دنيا، فهو داء مستشرٍ ومرض مزمن عضال يصاب به الإنسان فيشقى به في مدة من حياته، يفسد عليه وقته الثمين الذي كان بالإمكان أن يشتري به نفسه من عذاب الله، وتصل إليه عدواه بفيروسات الشبهات والشهوات والمضار العظيمة، فقد يكون الإنسان في نفسه في بيئة صالحة، وحصن أو قلعة من قلاع الإيمان، لا يصل إلى أهل الفجور، ولا يعلم ما هم فيه، ولكنه يخالط شخصاً من هذا النوع من الناس، فينقل إليه عدوى تلك البيئة الخبيثة، فيسمعه من الكلام ما يتأثر به، ويريه من الأفعال ما يتأثر به، ويزين له الأمور ويحببها إليه.
وهذا امتحان من امتحانات هذه الدنيا، فهو عرض من أعراضها؛ ولذلك أخرج البخاري في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما بعث الله من نبي ولا ولَّى من ملك إلا كان له بطانتان: بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه)، فإذا كان هذا في الأنبياء والملوك فكيف بمن دونهم، فما من أحد إلا وله هذا النوع من البطانات؛ ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى جعل هذا النوع من الأخلاء عدواً للإنسان يوم القيامة، فقال تعالى: {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67]، وقال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا} [الفرقان:27 - 29].