عمر الإنسان الأبدي إما في الجنة وإما في النار

العمر الخامس: عمر الإنسان الأبدي السرمدي إما في جنة أو في نار: وهو الذي لا انقطاع له ولا انتهاء، أما في الجنة فيجد الإنسان ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وكلما ازداد فيها خلوداً وبقاء كلما ازداد تنعيماً، كل يوم هو في مسرة جديدة، فلا تنقطع ملذاتها، اللذة الأولى التي يجدها هي عندما يصل إليه شيء من روحها وريحانها تبقى معه طيلة بقائه في الجنة، ويأتي بعدها مليارات اللذات كل لذة تأتي على سابقتها دون انقطاع، فنعيم الجنة لا يزول، وكذلك لا يمل شيء مما فيها، {كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} [البقرة:25].

وأبلغ ما فيها من أنواع النعيم: النظر إلى وجه الله الكريم، فبينما أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع عليهم نور من فوقهم، فيرفعون أبصارهم فإذا الرب جل وعلا يناديهم من فوقهم {سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس:58]، فلا ينظرون إلى شيء مما هم فيه ما داموا ينظرون إلى وجهه الكريم {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23])، (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته).

وإما في نار فيها غاية المذلة والهوان، وأنواع الخزي والعار؛ ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى وصف حالها عند أول دخولهم لها، قال: {إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا * لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا} [الفرقان:12 - 14].

ووصف استقرارهم فيها فقال: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء:56].

وأبلغ ما فيها من الهوان أنهم لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم، يمكثون فيها وهم ينادون: يا مالك نضجت منا الجلود، يا مالك أخرجنا منها فإنا لا نعود, فيمكثون أربعين حولاً وهم يكررون ذلك، فيجيبهم فيقول: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108].

{وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف:77]، فذلك العمر الطويل الذي لا انقطاع له، مرتب على هذا العمر القصير المنقطع المنتهي وهو عمر الإنسان في هذه الحياة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015