العمر الرابع: عمر الإنسان فوق الساهرة عندما يبعث إلى ربه، فينادى الناس في قبورهم: هلموا إلى ربكم فيخرجون من الأجداث إلى ربهم ينسلون.
في ذلك الوقت تبدل الأرض غير الأرض، وتطوى السماء: {فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} [الحاقة:16]، وفي ذلك الوقت يحشر الناس جميعاً إلى الساهرة، وهي أرض المحشر البيضاء، يقف الواقف على طرفها فيرى طرفها الآخر، تجمع الخلائق من لدن آدم إلى نهايتهم، يأتونها جميعاً حفاة عراة غرلاً، ليس مع أحد منهم إلا عمله، وتدنو الشمس من رءوسهم حتى تكون كالميل، ويؤتى بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام في كل زمام سبعون ألف ملك، فمجموع ذلك: أربعة مليارات وتسعمائة مليون من الملائكة يجرون جهنم جراً وهم صفوف، حتى تحيط بالناس من كل جانب.
ولا يستظل الإنسان يومئذ إلا بظل صدقته فمن مستقل أو مستكثر، وذلك الوقت لاشك عمر طويل، {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج:47]، ولهذا فإنه ينسى ما سبقه من الأعمار، فإن الله سبحانه وتعالى يسألهم {كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:112 - 116].