Q ما صفة التيمم؟ وهل من لم يراعِ ما غار من لحييه، وجانبي أنفه وما بدا من شفتيه وعنفقته تيممه صحيح؟
صلى الله عليه وسلم أن التيمم في اللغة: القصد، يقال: يممه تيمماً إذا قصده، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [البقرة:267]، أي: لا تقصدوا الخبيث من أموالكم تنفقونه وتقصدون به المضاعفة عند الله.
والتيمم في الاصطلاح هو: الطهارة الترابية، التي هي مسحتان وضربتان، ضربة يمسح بها الوجه من منابت الشعر إلى الذقن طولاً، وما بين الأذنين عرضاً على الراجح، وقيل: ما بين العذارين، ويمسح بها ظاهره فقط، ولا يطلب تتبع غضونه، ولا تتبع تكاميش الجبهة، ولا تتبع ما حول الأنف وما حول العينين، ولا ما بدا من الشفتين، ولا تتبع الجرح الغائر، إذا برأ، ولا يلزم فيها تتبع الوترة التي بين المنخرين، ولا تتبع تجاعيد الأرنبة، أي طرف الأنف، فهذه الأمور لا يطلب تتبعها في مسحة التيمم، وإنما هي مسحة خفيفة، ثم مسحةٌ كذلك بيديه إلى الكوعين، وهذا وهو القدر الواجب.
وإذا مسح إلى مرفقيه، فهذا سنة وتكملة، ولكنه يكفيه أن يمسح وجهه مسحة واحدة، ويديه إلى الكوعين، مسحة أخرى، والضربة الثانية كذلك سنة على الراجح وليست بواجبة، فلو ضرب الإنسان ضربةً واحدةً، أي: وضع يديه مرةً واحدةً على الأرض، كان مجزئاً، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم صورة التيمم، فوضع كفيه على الأرض ومسح بهما وجهه وكفيه إلى الكوعين وقال: (إنما كان يكفيك هكذا) كما في حديث عمار بن ياسر، وكذلك مسح الحائط بعصاه حتى ثار غباره فوضع يديه عليه فمسح بهما وجهه وكفيه لرد السلام، وهذان التيممان الواردان عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يرو عنه أنه تيمم للصلاة.
واختلف فيما يحصل به التيمم؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ منه} [النساء:43].
ذهب الشافعي إلى أن الصعيد الطيب هو المنبت لقول الله تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ) [الأعراف:58].
فما ليس منبتاً لا يتيمم به، فلا يتيمم على الحجر، ولا على السبخة التي لا تنبت عند الشافعي، وبهذا أخذ أحمد بن حنبل، واستدلا أيضاً بأن الله قال: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ منه} [النساء:43].
و (من) هنا جعلاها تبعيضية، أي: ببعضه، والبعض الذي يمكن أن يمسح بالوجه والكفين منه إنما هو الغبار الذي يثور، واستدلا أيضاً بمسح النبي صلى الله عليه وسلم بعصاه الحائط وحكه حتى ثار غباره.
وذهب مالك وأبو حنيفة إلى أن الطيب في الآية هو ما صعد على وجه الأرض من أجزائها، وأن المقصود بطيبه طهارته، فالطيب هنا بمعنى الطاهر، وقد جاء في القرآن إطلاق الطيب على الطاهر، وجاء ذلك في الحديث كقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا).
فالمقصود بذلك الطاهر الحلال، وعلى هذا فكل ما صعد على الأرض من أجزائها يحل التيمم به كالصخر والسبخة وغير ذلك، واختلفوا في الحجارة المنقولة كالرحا إذا لم تنكسر هل يحل التيمم عليها أم لا؟ فمذهب أبي حنيفة جواز التيمم على كل ذلك، ومذهب مالك جاء فيه الخلاف في التيمم على الرحا ونحوها إذا لم تنكسر، أما إذا انكسرت فقد عادت حجرا ًكما كانت فيتيمم عليها عنده، وإذا كانت غير منكسرة فهي آلة، فالراجح من المذهب أن لا يتيمم عليها، ومثل ذلك الملح إذا جمد والخضخاض إذا خالطته التربة، وقيل: الخضخاض إذا نشفت اليدان فيه حتى بقي فيهما غبار جاز التيمم به.
ومسائل التيمم كثيرة ولعل في هذا بعض الإشارة إليها، والدليل على الضربة الثانية ما ثبت من فعل عدد من الصحابة منهم علي بن أبي طالب وعائشة وابن عباس، وهذا أمر توقيفي لا يمكن أن يفعلوه إلا إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أراهم إياه.