العلم الثالث: علم التصريف: وتعرف به أوجه الاشتقاق في الكلمات، وهو علمٌ لا غنى عنه في تفسير القرآن والسنة، ولا يمكن أن يكون الإنسان صاحب تدبر وتفهم إلا إذا كان متقناً لهذا العلم، ومن هنا فكثير من خلافات الفقهاء في الاستنباط أصلها الخلاف في مسائل صرفية، فمثلاً: قال ابن الأنباري رحمه الله: إن الخلاف بين المالكية والشافعية وغيرهم في العدة هل هي بالحيض أو بالأطهار، خلاف أصله راجع إلى التصريف، وذلك أن الله تعالى يقول في كتابه: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228]، فقال: القرء الذي يجمع على قروءٍ هو الطهر، والقرء الذي يجمع على أقراءٍ هو الحيض، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث فاطمة بنت أبي حبيش: (دعي الصلاة في أيام أقرائك)، فقال: الأقراء هي الحيضُ، والقروء هي الأطهار.
واستدل على ذلك بقول الأعشى: أفي كل عام أنت جاشم غزوة تشد لأقصاها عزيم عزائكا مورثة مالاً وفي الحي رفعةً لما ضاع فيها من قروء نسائكا والذي يضيع هو الأطهار لا الحيض.
واستدل كذلك بقول الراجز: يا رب مولى حاسد مباغض علي ذي ضغن وضب فارض له قروء كقروء الحائض فالقروء هنا للحيض لا للأطهار.
ونظير هذا كثير جداً في الكلمات القرآنية أو كلمات السنة التي يكون الاختلاف في فهم دلالتها سبباً للاختلاف في مسائل فقهية، ويكون ذلك راجعاً إلى أحد علوم اللغة المذكورة.