فالعرب من ذرية إبراهيم عليه السلام، وإبراهيم عليه السلام، بعث في البداية في أرض الفينيقيين بالعراق، ثم هاجر إلى الشام ولم يكن يتكلم بالعربية، وأتى بولده إسماعيل بأمر الله سبحانه وتعالى إلى مكة، وأول من جاوره بمكة العمالقة، ثم لما طغوا في الحرم أخرجهم منه مضاض الجرهمي، وساكن إسماعيل الجرهميين وصاهر فيهم، وهم أجداد أولاده، ثم أهلكهم الله وتغلب بعدهم على الحرم ذرية إسماعيل من معد بن عدنان، ثم بعدهم تغلبت خزاعة، حتى أخرجهم قصي بن كلاب، ومن ذلك التاريخ تغلبت قريش على مكة، وهؤلاء عداد نسبهم كله مرجعه إلى معد بن عدنان على الراجح، وقيل: كان مع معد أخ له اسم عك، وهو جد قبائل تنسب إلى عدنان، من ذرية عك بن عدنان، وليسوا من معد بن عدنان.
وأشهر أولاد معد نزار بن معد وكان له أربعة أولاد: هم مضر وربيعة وإياد وأنمار ومن هؤلاء انتشرت قبائل عدنان.
ومن هذه القبائل قبائل مضر، ومنها: قريش، وهي أعظم قبائل مضر بالاختيار الرباني، لأنه صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله اختار من ذرية إبراهيم كنانة، وفي رواية: (من ذرية إسماعيل الكنانة، واختار من ذرية كنانة قريشاً، واختار من قريش بني هاشم، وجعلني من بني هاشم في المحل الأسمى، فأنا خيار من خيار من خيار، ولا فخر).
وهذا الاختيار الرباني يترتب عليه عدة أحكام: منها: أنه لا يسترق سبيهم في الجاهلية ولا في الإسلام، ومنها: أنه لا يقتل أسيرهم صبراً بعد غزوة بدر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقتل قرشي بعد اليوم صبراً).
ومنها: اختصاصهم بالإمامة العظمى، وليس ذلك تبعاً لعصبية العرب عليهم؛ بل عصبية فارس وعصبية الروم أعظم من عصبية العرب، وأولئك أرسل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسلموا فهو مرسل للبشر كلهم، فالعبرة بالاختيار والاصطفاء الرباني فقط، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فذلك الاختيار الرباني هو الذي شرفهم الله فيه للإمامة وشرفهم لما هو أعظم منها، وأن بعث منهم محمداً صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك قال ابن الرومي: قالوا أبو الصقر من شيبان قلت لهم كلا لعمري ولكن منه شيبان تسمو الرجال بآباءٍ وآونة تسمو الرجال بأبناء وتزدان وكم أبٍ قد علا بابن ذرا شرف كما علا برسول الله عدنان