قوله: (أو تذبحوا): كذلك لا تذبحوا على القبور أو حولها، فالذبح عليها أو حولها من أعمال الجاهلية، فقد كانوا يذبحون وينحرون على القبور وينضحونها بالدماء، ويظنون أن تلك الدماء هي حظ الأموات من الذبائح، فيظنون أن الدم يصل إليهم في قبورهم، وقد كان أهل الجاهلية يبالغون في هذا، فينحرون ويتركون ما نحروه عند القبر لا يتعرضون له، وقد ذكرنا قول زياد بن الأعجم: إن السماحة والمروءة ضمنا قبراً بمرو على الطريق الواضح فإذا مررت بقبره فانحر به كوم الهجان وكل طرف سابح وانضح جوانب قبره بدمائها فلقد يكون أخا دم وذبائح فهذا على عادة الجاهلية وعملهم، والذبح لغير الله سبحانه وتعالى ملعون من فعله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في بطاقة علي بن أبي طالب التي أخرجها من قراب سيفه، ورواها عنه وهب بن عبد الله السوائي رضي الله عنه؛ فإن فيها لعن من ذبح لغير الله.
واختلف في المذبوح لغير الله وبالأخص عند القبور ونحوها، فقال جمهور العلماء: هو جيفة ميتة لا يحل أكله؛ لأن فيه إهلالاً لغير الله؛ والله تعالى حرم ما أهل به لغيره: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة:3].
وعن أحمد فيه روايتان، إحداهما بإجازته (بإباحته)، والأخرى بتحريمه.
والقول بإجازته لا يقصد به إطلاق ذلك، وإنما يقصد أن من عادة الناس أن يذبحوا ذلك فيفعلونه تقليداً لا شركاً، فمن فعل ذلك تقليداً وذكر اسم الله عليه فلا تكون ذبيحته محرمة ولا يكون مما أهل به لغير الله.
ومثل هذا التقرب إلى القبور والمشاهد بالأموال غير الذبائح، كوضع النقود عندها أو وضع الملابس أو نحو ذلك، فهذا مثل الذبح سواء بسواء، فيكون صاحبه ملعوناً، وهو من عمل الجاهلية، نسأل الله السلامة والعافية.