قوله: (ولا تمسوا قبراً): جاء النهي عن الجلوس والمشي عليها؛ وذلك لأنه إزراء بأصحابها وازدراء لهم، وهي حبس عليهم، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على القبور فاختلف العلماء في معناه، فقيل: المقصود النهي عن الجلوس عليها للحاجة، أي جلسة قضاء الحاجة فقط، وأما مجرد الجلوس عليها فليس النهي وارداً فيه، ولكن عموماً التربة التي دفن فيها الإنسان هي وقف عليه، فلا ينبغي الجلوس عليها، ولا المرور من فوقها أي: المشي عليها.
وكذلك الصلاة عليها، والصلاة إليها، فكل ذلك منهي عنه، والنهي عن الصلاة بالخصوص لأمور متعددة: الأمر الأول: سد ذريعة الشرك؛ لأن أهل الجاهلية كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح اتخذوا قبره وثناً، وقد رد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وسأل ربه ألا يتخذ الناس قبره وثناً.
وكذلك أن المقابر فيها تحللات لأجزاء الموتى، وجثث الموتى فيها خلاف: هل هي طاهرة أو نجسة، حتى المسلمون منهم.
فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الميت نجس مطلقاً سواء كان مسلماً أو غير مسلم، ورأوا أن الحياة علة للطهارة، فالشاة ما دامت حية فهي طاهرة، وإذا ماتت فإنها تنجس.
ورأى آخرون أن أجزاء الكفار نجس، وأن الأجزاء الداخلية من المسلمين نجس لمباشرتها للأنجاس كالدم والعذرة ونحو ذلك، وأن الأجزاء الظاهرة من أموات المسلمين طاهرة، ولذلك تغسل، ولو كانت نجسة لما غسلت؛ لأن النجس لا يتطهر، والذين يرون أنها نجس يقولون: الغسل تعبُّدٌ لا تطهير.
والخلاف فيها مذهبي بين المذاهب لا يمكن أن نحسم نحن فيه، ولكن أقرب ذلك أن يقال: المؤمن طاهر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ أبي هريرة (المؤمن لا ينجس)، ومع ذلك فهذا الحديث يمكن أن يحمل على النجاسة الحسية والنجاسة المعنوية، مثلما جاء ذلك في قول الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة:28] فقد اختلف فيه: هل النجاسة حسية أو معنوية.
قوله: (أو تمسَّحوا) كذلك التمسح، وهو أشد من مجرد المس، فالتمسح على القبور لالتماس بركة أصحابها أشد من مجرد مسها، و (تمسحوا) حذفت منها التاء الثانية، فهي بحذف إحدى التاءين، وأصلها: أو تتمسحوا، وهذا كثير في اللغة والقرآن والسنة.