والوحي في اللغة يطلق على السرعة وعلى الإلهام وعلى الكتابة، فله ثلاث معان، يقال: وحى وأوحى بمعنى: كتب، وبمعنى: أسرع، وبمعنى: أذهب، ومثلها وخى -بالخاء- وكذلك توخى، ترد أيضاً بهذا المعنى.
ومنه قول الشاعر: فلما رأى أن النجاة تعذرت رأى أن ذا الكربين لا يتعذر توخى بها مجرى سهيل ودونه من الشام أجبال تطول وتقصر وورود الوحي بمعنى الإلهام كثير في القرآن، كقول الله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل:68] فالمقصود بذلك إلهامها.
ولذلك يطلق الوحي على ما يراه الرائي في النوم، فهو إلهام لقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا} [الشورى:51]، أي: إلا رؤيا نوم، {أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [الشورى:51] وهذا هو الوحي الاصطلاحي وهو المرتبة الثالثة.
والوحي في الاصطلاح: تنزيل الله سبحانه وتعالى ما شاء من كلامه على من شاء من خلقه، وقد سبق أن الكلام الذي يوحى به هو الكلام التشريعي لا الكلام الكوني، فالكلمات الكونية يخاطب بها كل خلقه، لكنها لا تسمى وحياً، فهو يكلم كل مخلوق من خلقه بكن فيكون، وهذه ليست وحياً؛ لأنه يخاطبك أنت بها، ولا تتحرك حركة ولا تسكن سكوناً إلا بخطاب الله، وهذه هي الكلمات الكونية.
أما الكلمات التشريعية فهي التي يوحي بها إلى ما شاء من خلقه، وهم الذين اختارهم لذلك: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124] {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} [الحج:75]، {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ} [القصص:68].
وهو وحي الله سبحانه وتعالى إلى عباده، يجب الإيمان به، ويجب الإيمان أنه اختار من عباده خلقاً للوحي وأنه أوحى إليهم.