الرسل كما ذكرنا لا يكونون إلا من الملائكة أو من البشر، كما قال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} [الحج:75]، وأما غير ذلك من الأصناف فيمكن أن تشملهم رسالة رسل البشر أو رسل الملائكة، فالجن مثلاً شملتهم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وموسى عليهما السلام، ولذلك ذكروا هذا في القرآن حين أرسل الله النبي صلى الله عليه وسلم ليدعوهم إلى الله، وقد أتاه جن نصيبين ببطن نخلة فخرج إليهم وليس معه إلا ابن مسعود، وحدث ابن مسعود بما رأى وبما سمع، وأنزل الله ذكرهم في سورة الأحقاف وبين أنهم قالوا: {يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} [الأحقاف:30] فكأنهم لم يعلموا بشريعة عيسى عليه السلام.
ويذكر بعض أهل التفسير أن ذلك ربما رجع إلى تعويذ أم مريم لها وذريتها من الشيطان، وقد قص الله علينا ذلك في كتابه: {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران:36]، فلم يتعبد إنسان لتبليغ الرسالة إليهم على هذا.
وقد تبع النبي صلى الله عليه وسلم عدد منهم وأسلموا، وكانوا سبباً في إسلام من سواهم، فبعض الإنس أسلم عن طريق الجن، ومنهم سواد بن قارب رضي الله عنه وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان كاهناً في الجاهلية، فأسلم رئيه من الجن فدعاه إلى الإسلام فأسلم بذلك، قال: أتاني رئيي بين نومٍ وهجعةٍ ولم يك فيما قد بلوت بكاذبٍ ثلاث ليال قوله كل ليلة أتاك رسول من لؤي بن غالب إلى أن يقول: وكن لي شفيعاً يوم لا ذو شفاعةٍ سواك بمغنٍ عن سواد بن قارب وكذلك رجل آخر اسمه خنافر كان له رئي من الجن اسمه ساصر فأسلم ساصر للنبي صلى الله عليه وسلم فدعا خنافراً فأسلم وأتى النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه، وفي ذلك يقول أبياته المشهورة: ألم تر أن الله عاد بفضله فأنقذ من نفح الزخيخ خنافرا وكشف لي عن جحمتي عماهما وأوضح لي نهجاً من الحق داثرا وكان مضلي من هديت برشده فلله مغوٍ عاد بالرشد آمرا ومثل هذا راشد بن عبد ربه سيد بني سليم الذي كان يدعى في الجاهلية غاوي بن عبد العزى، فغير النبي صلى الله عليه وسلم اسمه واسم أبيه وسماه راشد بن عبد ربه، فقد أسلم حين أتاه رجل من الجن يركب نعامة فدعاه إلى الإسلام، فأسلم برسول صلى الله عليه وسلم وأتى بقومه، ومثل هذا حصل لعدد منهم كـ العباس بن مرداس رضي الله عنه.
وكذلك من أهل اليمن عدد من الناس أسلموا على أيدي الجن.
ومع هذا فإن للجن بعض الأحكام المختصة بهم، فلا يمكن أن يستوي الجن والإنس في الشرائع التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم لا يتحملون كثيراً مما يتحمله الإنس، ولهم أيضاً من الطاقات في مجالات أخرى ما ليس للإنس، فلهم أحكام، وقد نُص في القرآن على تعذيب من مات منهم كافراً، ولم ينص في القرآن على دخول مسلميهم الجنة إلا بالعموم، لكن جاءت النصوص على أن كل من اهتدى مطلقاً فهو إلى الجنة كقوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:40 - 41]، فهذا يشمل الإنس والجن.
وعلى هذا فلا يجب عليهم جهاد الكفرة الإنس قطعاً، لكن اختلف هل يجب عليهم جهاد كفرة الجن أم لا؟ فقالت طائفة من أهل العلم: إن الجهاد ذروة سنام الإيمان، والخطاب به في القرآن عام يشمل الإنس والجن.