وكذلك اختلف في الفرق بين النبي والرسول، ونحن إذا بينا هذا الفرق فسنذكر الفرق اللغوي أولاً ثم نعدل إلى الفرق الاصطلاحي.
فرسولٌ: فعولٌ من الرسالة، ويطلق على الرسالة نفسها وعلى مبلغها، فهو في الأصل للرسالة نفسها؛ لقول الشاعر: لقد كذب الواشون ما بحت عندهم بليلى وما أرسلتهم برسولِ أي: وما أرسلتهم برسالتي، ثم أُطلق على حامل الرسالة الذي يؤديها فسمي رسولاً.
وأما النبي: فهو فعيلٌ، فيمكن أن تكون بمعنى فاعلٍ ويمكن أن تكون بمعنى مفعولٍ، ويمكن أن تشتق من النبأ ويمكن أن تشتق من النبوة، فإذا كانت من النبأ فهو الخبر، فالنبي فعيلٌ من النبأ لأنه منبئ عن الله إذا كان فعيلاً بمعنى فاعلٍ، أو لأنه منبأ من الله، أي: مخبر منه إذا كان فعيل بمعنى مفعول، هذا إذا كان من النبأ.
أما إذا كان من النبوة وهي الارتفاع، فهو لأن الله أعلى منزلته بالنبوة.
أما في الاصطلاح: فإن كثيراً من العلماء يعرفون الرسول بأنه الذي أوحي إليه شرعٌ وأمر بتبليغه، وعرفوا النبي: بأنه الذي أوحي إليه شرعٌ وأمر بالتعبد به ولم يؤمر بتبليغه، وعلى هذا فكل رسولٍ نبي وليس كل نبي رسولا.
وقالت طائفة أخرى من أهل العلم: بل الرسول هو الذي أوحي إليه شرعٌ وأمر بتبليغه، والنبي هو الذي أوحي إليه باتباع وتجديد شرع من قبله، فيكون النبي مجدداً والرسول هو الذي أنزلت عليه الرسالة بكاملها.
ولكن يُجاب عن هذا بأن الله سبحانه وتعالى أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباع ملة إبراهيم، والنبي صلى الله عليه وسلم أتته شريعة جديدة.
ولكن قد يُجاب عن هذا أيضاً بأن يقال: إن الملة لا يقصد بها الشريعة، وإنما يقصد بها ما يتعلق بالجانب الخُلقي والروحي فقط، وقد تبع النبي صلى الله عليه وسلم ملة إبراهيم في هذا الجانب، فلذلك لم يدع على قومه واتصف بالحلم معهم، مع أنه ذكر دعاء غير إبراهيم من أولي العزم من الرسل في القرآن على قومهم وما أصاب قومهم، إلا عيسى عليه السلام وحده، لكن دعاء نوح ودعاء موسى على قومهما معروف، قال موسى: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ} [يونس:88]، وقال نوح: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح:26]، وأما إبراهيم فلم يدعُ على قومه مع ما آذوه به من الأذى، بل قال: (حسبي الله ونعم الوكيل) فقط، ووعد أباه بأن يستغفر له.
وعموماً فإن الرسل فيهم مجددون يجددون شرع من قبلهم، فإسماعيل وإسحاق لا يمكن أن تكون شريعتاهما غير شريعة إبراهيم إذ لم يشهر ذلك ولم يعرف، بل هما مجددان لشريعة إبراهيم، وكذلك أنبياء بني إسرائيل فإن بعضهم يجدد شريعة من سبقه، وفي بعض الأحيان يباح له بعض ما حرم من قبله كعيسى عليه السلام فإنه مجدد لشريعة موسى، لكنه يحل لبني إسرائيل بعض ما حرم عليهم، كما أخبر الله بذلك في كتابه: {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [آل عمران:50].
والله سبحانه وتعالى يقول في وصف الأنبياء: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة:48] فكل نبيٍ منهم له شرعة وله منهاجٌ، لكن لا منافاة بين أن يكون بعضهم مع بعض في شرعةٍ واحدة، ولذلك فسر ابن عباس: (شرعةً ومنهاجاً)، قال: سبيلاً وسنة، فـ (سبيلاً) تفسيرٌ لـ (منهاجاً) و (سنة) تفسير لـ (شرعة).
ومن الرسل من يأتي لمكافحة داء ظهر في البشرية ومعصية كبيرةٍ اشتهرت فيها، كما كان لوط عليه السلام مجدداً لشرع من قبله في تحريم اللواط ومنعه، وكذلك شعيب عليه السلام في منع تطفيف المكاييل والموازين، ولذلك فالذي يذكر من نذارتهم في القرآن متعلق بهذه الأمور فقط.