ومما كان فيه عليه الصلاة والسلام من خلق عظيم، العدل بين الناس: وبالعدل قامت السماوات والأرض، ومن العدل بين الناس يعدل الإنسان في حكمه إن كان قاضياً، يعدل الإنسان في قوله إذا طلبت منه شهادة، يعدل الإنسان في سائر شأنه إذا كان ذا ولاية على زوجات أو على أبناء، فيعدل في أبنائه في العطايا، ويعدل بين زوجاته في المبيت، ويعدل في كل شيء بحسبه، ويعدل حتى في قوله مع خصومه وأعدائه، قال الله جل وعلا: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8].
وعبد الله بن رواحة ذهب إلى خيبر يخرص نخلها، فقال: يا معشر يهود: جئتكم من عند أحب الناس إلي -يقصد النبي صلى الله عليه وسلم- وإنكم لمن أبغض الناس إلي، ولكن لن يدفعني حبي له وبغضي لكم أن أجور، ينبغي علي أن أعدل فقالت له يهود: بالعدل قامت السماوات والأرض.
والإنصاف اليوم في الناس قليل، والناس إذا أحبوا أحداً نسبوا له كل فضل، وإذا أبغضوا أحداً نسبوه لكل نقص، وقالوا فيه ما لم يفعله، والعاقل لا يغلو في أحد، لا محبة ولا ذماً.
فلا تغل في أحد من العباد كائناً من كان، ولو رأيت عليه من أمارات الصلاح والبكاء وأمثال ذلك الشيء الكثير، فإن الله وعلا أوكل السرائر إلى نفسه.
ولا تغل في ذم أحد فإنك لا تدري أن الله جل وعلا ستر محاسنه وأظهر معايبه، فحكمت عليه من وجه دون آخر، ولكن المؤمن العاقل الحصيف الذي يخشي على سيئاته أن تزداد وعلى حسناته أن تذهب، لا يتكلم إلا بقصد، ولا يحكم إلا على بينة، ويتكلم بضبط قوله مخافة أن يلقى الله فيكون قد شط في قوله.