التواضع

إذا كان هذا العدل، وذلك العفو، وبذل الندى فقد بينا الكبر وضده والتواضع لعباد الله، وأحب الناس إلى العباد وأقربهم منهم من كان متحليا متجملاً بخلق التواضع، والنفوس جبلت على أنها تبغض من كان مستكبراً.

الحجاج بن يوسف الأمير الأموي يقول على ظلمه: ثلة من أهل الكوفة لو أدركتهم لضربت أعناقهم، وهو لم يدركهم، يعني أنه جاء الكوفة وقد ماتوا، قيل له: من هم أيها الأمير؟ قال: فلان وسمى رجلاً، وكلهم ذمهم بالكبر، أما أحدهم عياذاً بالله فصعد المنبر فخطب خطبة بليغة، فلما فرغ منها قال له أحد الحاضرين: كثر الله من أمثالك، فقال ذلك المتكبر الفاجر، لقد كلفت ربك شططاً، أي: يصعب على الله أن يخلق غيري.

قال: وآخر كان يقف في قارعة الطريق، فجاءته امرأة تسأله وهي لا تعرفه، قالت: يا عبد الله، أين طريق فلان؟ قال: ألمثلي يقال: يا عبد الله، ورفض أن يجيبها.

وذكر رجلاً ثالثاً ضاعت ناقة فقال: يمين الله إن لم يرد الله ناقتي لن أصلي ولن أصوم، فرد الله عليه ناقته، فقال كفراً: قد علم ربي أن يميني كانت صرماًَ، يعني ماضية.

هذا وأمثاله موجود في كل أحد، لكن من الخلق من ألجم نفسه بلجام التقوى فقبلت ورضيت أن يكون عبداً لله جل وعلا، ومن العباد من أطلق لها العنان، وهؤلاء الذين أطلقوا لها العنان درجات، وفي الذروة من أولئك الذين أطلقوا لأنفسهم العنان فرعون عندما قال: {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:24]، والنمرود عندما قال: {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة:258] فما السبيل إلى كسر النفس، السبيل إلى كسر النفس عظيم العلم بالله جل وعلا، فإن العبد كلما كان بالله اعرف كان من الله أخوف، كلما كان بالله أعرف، كان من الله أخوف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015