نعود هنا إلى عالم الشعر على وجه الإجمال، فالنبي صلى الله عليه وسلم عظمه ربه في القرآن، فمهما قال الشعراء في حقه عليه الصلاة والسلام فغاية الأمر أنهم ينبئون عن عظيم إيمانهم ومحبتهم لرسول الله عليه الصلاة والسلام، أما هو صلى الله عليه وسلم كفى بتزكية القرآن له تزكية، فقد زكى الله بصره: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم:17]، وزكى الله لسانه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم:3]، وزكى الله قبله: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم:11]، وزكى الله أذنه: {وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ} [التوبة:61]، وزكاه الله جل وعلا جملة: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]، فهو عليه الصلاة والسلام ليس في حاجة لأن يطريه أحد من الخلق، لكنه إذا أطراه أحد ومدحه وفق ضوابط الشرع فإنما ينبي ذاك عن علم ذلك الرجل بالدين، وحبه لرسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم.
وكان حسان رضي الله عنه وأرضاه من أعظم من مدح النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: عفت ذات الأصابع فالجواء إلى عذراء منزلها خلاء فمن يهجو رسول الله منكم ويمدحه وينصره سواء أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء هجوت محمداً فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء هذه هي من همزيته المشهورة رضي الله عنه وأرضاه.
ويقولون: إن أعظم ما قيل في مدح النبي صلى الله عليه وسلم قول حسان: وأجمل منك لم تر قط عين وأسمح منك لم تلد النساء خلقت مبرأً من كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاء كما مدحه عبد الله بن رواحة وكعب بن زهير، ثم تسابق الناس من شعراء المسلمين عبر التاريخ الإسلام في مدح رسول الهدى ونبي الرحمة صلوات الله وسلامه عليه، فقال شوقي رحمة الله تعالى عليه في همزيته الشهيرة: خلقت لبيتك وهو مخلوق لها إن العظائم كفؤها العظماء فإذا رحمت فأنت أم أو أب هذان في الدنيا هما الرحماء وإذا ملكت النفس قمت ببرها ولو أن ما ملكت يداك الشاء وإذا أخذت العهد أو أعطيته فجميع عهدك ذمة ووفاء وإذا قضيت فلا ارتياب كأنما جاء الخصوم من السماء قضاء وإذا بنيت فخير زوج عشرة وإذا ابتنيت فدونك الآباء وإذا حميت الماء لم يورد ولو أن القياصر والملوك ظماء أنصفت أهل الفقر من أهل الغنى فالكل في دين الإله سواء فلو أن إنساناً تخير ملة ما اختار إلا دينك الفقراء يا أيها المسرى بها شرفاً إلى ما لا تنال الشمس والجوزاء يتساءلون وأنت أطهر هيكل بالروح أم بالهيكل الإسراء بهما سموت مطهرين كلاهما روح وريحانية وبهاء تغشى الغيوب من العوالم كلما طويت سماء قلدت سماء أنت الذي نظم البرية دينه ماذا يقول وينظم الشعراء والمصلحون أصابع جمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاء صلى عليك الله ما صحب الدجى حاد وحنت بالفلا وجناء واستقبل الرضوان في غرفاتهم بجنان عدن آلك السمحاء وقال في البائية غفر الله له ورحمه: سلوا قلبي غداة سلا وثابا لعل على الجمال له عتابا ويسأل في الحوادث ذو صواب فهل ترك الجمال له صوابا أخا الدنيا ترى دنياك أفعى تبدل كل آونة إهاباً فمن يغتر بالدنيا فإني لبست بها فأبليت الثيابا لها ضحك القيان إلى غبي ولي ضحك اللبيب إذا تغابى جنيت بروضها ورداً وشوكاً وذقت بكأسها شهداً وصابا فلم أر مثل حكم الله حكماً ولم أر مثل باب الله بابا أبا الزهراء قد جاوزتُ قدري بمدحك بيد أن لي انتسابا فما عرف البلاغة ذو بيان إذا لم يتخذك له كتابا مدحت المالكين فزدت قدراً فلما مدحتك اقتدت السحابا وأحسن من هذا كله قول الله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128].
هذا ما تيسر إيراده، وأعان الله على قوله، سائلين الله جل وعلا أن يتقبل منا ومنكم صالح العمل، وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.