فلما أصبح أخذ صلى الله عليه وسلم ناحية من البيت وجلس على غير عادته مما يألفه الناس، دنى منه عمرو بن هشام أبو الحكم على نسب قريش، وأبو جهل كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه متغير الحال، قال: هل من خبر يا محمد؟ قال: نعم، قال: وما ذاك؟ قال: أسري بي ليلة البارحة إلى المسجد الأقصى، قال: وعدت من ليلتك؟ قال: نعم، قال: يا أبن أخي! أترى إن جمعت لك أندية قريش أتخبرهم بما أخبرتني به؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، فنادى أبو جهل بأعلى صوته، يريد أن يشمت به، يا بني كعب ابن لؤي! يا معشر قريش! هلموا إلي فاجتمعوا من كل حدب وصوب تاركين أنديتهم حتى أقبلوا، قال: اسمعوا ما يقول محمد.
فلما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم، إذا بأحدهم يضع أصابعه بين أذنيه، وإذا بأحدهم يفغر فاه، ويضع أحدهم يديه على رأسه متعجباً، قالوا: وعدت من ليلتك؟! قال: نعم، وعدت من ليلتي، قالوا: صف لنا بيت المقدس، فلما هم النبي صلى الله عليه وسلم بوصفه وقد رآه في الليل وهو نبي كريم زاهد عابد، لما دخل المسجد لم ينظر إلى أروقته ولا إلى جدرانه ولا إلى حيطانه، فقد صلى وتعبد الله جل وعلا فيه، فلم يقدر أن يصف لهم المسجد، فما هي إلا برهة وجبرائيل يدني المسجد بين يديه، فأخذ صلى الله عليه وسلم ينظر إلى المسجد ويصفه للملأ من قريش، وكلما زاد في وصفه قال القوم من قريش: أما المسجد فكما قال، وأما الوصف فكما وصف.
ثم أخبرهم أنه مر على قافلة لهم وأنها ضلت بعيراً في الطريق، فوعدهم يوم كذا وكذا أن تعود القافلة إلى مكة، فاحتسبوا تلك الأيام حتى خرجوا في ظهيرتهم، فلما خرجوا فما إن طلع حاجب الشمس إلا والقافلة قادمة مقبلة إلى مكة كما أخبر رسولنا صلوات الله وسلامه عليه.
أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكه والرسل في المسجد الأقصى على قدم لما رأوك به التفوا بسيدهم كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم صلى وراءك منهم كل ذي خطر ومن يفز بحبيب الله يأتممِ جبت السماوات أو ما فوقهن بهم على منورة درية اللجمِ ركوبة لك من عزٍ ومن شرف لا في الجيادِ ولا في الأينق الرسمِ مشيئة الخالق الباري وصنعته وقدرة الله فوق الشك والتهم وهذا أعظم ما دل عليه القرآن بعد توحيد الله جل وعلا، وهذا من أعظم المكانة لنبينا عليه الصلاة والسلام منزلة ومكانة عند ربه، وقد سد الله كل الطرائق الموصلة إليه، إلا طريق محمد صلى الله عليه وسلم، وهو عليه الصلاة والسلام على رفيع مقامه، وجليل مكانته، عبد يوحي إليه، وليس له من صفات الألوهية ولا الربوبية شيء، ولذلك أثنى الله جل وعلا عليه في أرفع المقامات وأجلها بأنه عبد يسمع ويطيع.
قال تبارك وتعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان:1].
وقال جل وعلا: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء:1].
إلى غير ذلك من الآيات التي لا تحصى ولا تعد، والتي يبين الله جل وعلا فيها أن نبينا عليه الصلاة والسلام حقق مقام العبودية على أكمل وجه وأتم نحو، ونحن أتباعه وقد جعله الله جل وعلا حظنا من النبيين كما جعلنا حظه من الأمم، ولا فخر بعد الإسلام من فخر أننا من أمته صلوات الله وسلامه عليه.
ومما زادني شرفاً وتيها وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا.