ثم إنه صلى الله عليه وسلم عزم على الحج، فأخذ معه ألوفاً عظيمة من الصحابة، وتوجهوا أجمعون إلى بيت الله الحرام، فأحرم صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة قائلاً: (لبيك اللهم لبيك)، يكبر على كل شرف من الأرض حتى وصل مكة، فبدأ بالبيت وطاف حوله، ثم أتم ما يتعلق بالطواف، ثم أتى المسعى، فرقى الصفا وقال: (أبدأ بما بدأ الله به: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158]).
ثم إنه صلى الله عليه وسلم أخذ يتم مناسك الحج شيئاً فشيئاً، حتى كان اليوم التاسع وهو يوم عرفة وكان يوم جمعة فصلى صلى الله عليه وسلم بالناس الظهر والعصر جمع تقديم، ثم خطب صلى الله عليه وسلم في الناس وهو راكب على راحلته القصواء خطبة عظيمة بين لهم فيها معالم الدين، وأومأ إلى قرب رحيله ودنو أجله، فكان صلى الله عليه وسلم يقول بعد كل مقطع من خطبته: (ألا هل بلغت)، فيقول الصحابة: نعم، فيقول صلوات الله وسلامه عليه: (اللهم فاشهد)، حتى كان واضحاً معهم، رغم أنه صلوات الله وسلامه عليه إمام المخلصين.
قال عليه الصلاة والسلام لهم: (أيها الناس! إنكم ستسألون عني فماذا أنتم قائلون؟ فقالوا رضي الله عنهم وأرضاهم: نشهد أنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ووفيت، وأديت الذي عليك كله، فرفع صلى الله علية وسلم سبابته إلى السماء ثم نكتها إلى الأرض ثم قال: اللهم فاشهد).
وكان كما قال جابر يودع الناس شاعراً بدنو أجله، وقرب رحيله حتى أتم صلى الله عليه وسلم المناسك فقال في اليوم الثاني عشر: (إنا نازلون غداً في خيف بني كنانة، فلما كان اليوم الثالث عشر رمى صلى الله عليه وسلم الجمرات الثلاث، ثم خرج من منى قبل أن يصلي الظهر، ونزل في خيف بني كنانة، وهو ما يسمى اليوم في مكة بالأبطح، فصلى بها الظهر والعصر، ثم صلى بها المغرب والعشاء، ثم اضطجع صلوات الله وسلامه عليه، ثم لما كان قبل الفجر أتى المسجد الحرام فطاف طواف الوداع، ثم صلى بالناس صلاة الصبح، ثم قفل راجعاً إلى المدينة، ترفعه النجاد، وتضعه الوهاد، وهي تتشرف بوطأة قدميه عليها، وهو عليه الصلاة والسلام يكبر على كل شرف من الأرض حتى دخلها) أي: دخل المدينة صلوات الله وسلامه عليه.
هذه أيها المؤمنون! على وجه الإجمال الأحداث العامة في حياته صلى الله عليه وسلم، والتي سبقت دنو أجله وقرب رحيله.