من أخبار الشعراء المتقلبين حسب المصالح

هذا مثل الشعراء، فمثلاً: المتنبي يعد مِن أشعر الشعراء، إذا قرأت شعرَه أحسست بجزالة ورشاقة، وشعره جميل جداً، ومع ذلك كان شاعراً مثل الشعراء الذين قال الله فيهم: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} [الشعراء:224 - 225]، والكلام أسهل شيء على الإنسان، فهذا أبو العلاء المعري يقول: إني وإن كنتُ الأخير زمانه لآت بما لم تستطعه الأوائل فقيل له: فهاتِ لنا حرفاً زائداً عن حروف الهجاء، هي ثمانية وعشرون حرفاً.

فعجز؛ لأنه مجرد كلام، وأسهل شيء الكلام.

فهذا المتنبي لما جاء مصر ودخل على كافور الإخشيدي حاكم مصر أخذ يمدح فيه وكاد أن يوصله إلى درجة الألوهية.

فلما انصرف عنه وذهب إلى أمير آخر وصفه بأوصاف قذرة جداً جداً، حتى وصفه بأنه لا يستطيع مباضعة النساء.

فهذا الكلام بحسب المصلحة، إذا كانت مصلحته يميناً ذهب يميناً أو يساراً ذهب يساراً، بل ربما يقتل نفسه إذا كانت مصلحته في ذلك، كما فعل أبو دلامة الشاعر: كان المهدي وعلي بن سليمان رئيس وزراء المهدي، يصطادان، وأبو دلامة كان شكله قبيحاً، وكان كل شعرٍ يقوله يأخذ عليه نقوداً، ومرةً خرج أبو دلامة مع المهدي وعلي بن سليمان في رحلة صيد، فرمى المهدي ظبياً، ومرَّ كلب فأصابه سهم علي بن سليمان.

فقال المهدي لـ أبي دلامة: قل لنا شعراً في هذ! الموضوع.

فقال: قد رمى المهدي ضبياً شك بالسهم فؤادَه وعلي بن سليمان رمى كلباً فصاده فهنيئاً لهما كلُّ امرئ يأكل زاده فأعطى له المهدي ثلاثين ألف درهم، كل بيت بعشرة آلاف درهم.

فعندما كانوا جميعاً -هؤلاء الثلاثة- قال له المهدي: يا أبا دلامة اهجُ أحدَنا.

فهل عنده جرأة ليهجو المهدي، أو يهجو رئيس الوزراء؟! إذا فعل سيقع في مصيبة.

فوجد أن أخف الضررين أن يهجو نفسه، فقد قال له: لا بد أن تهجو أحدنا، أحد الثلاثة.

فقال: ألا أبلغ لديك أبا دلامة فليس من الكرام ولا كرامة إذا لبس العمامة كان قرداً وخنزيراً إذا وضع العمامة فأعطاه عشرة آلاف درهم.

ومرةً مرَّ جماعةٌ من الشعراء، وكان لهم لبس معين عندما يكونون ذاهبين إلى الخليفة في عيد لأجل أن يمدحوه.

فرآهم واحد من الذين يحبون الأكل، فقال: هؤلاء ذاهبون إلى وليمة، فتبعهم ودخل، فلما دخل، جاء فدخل أمير المؤمنين، وبدءوا من اليمين، فأخرج الأول عريضة وأخذ يقول شعراً، والطفيلي هذا في الأخير، فأحس بالورطة التي وقع فيها؛ لأنه جاء ليأكل، وكان يظنها وليمة، وإذا بها ورطة أمام الخليفة، فكل منهم قال شعراً حتى وصل الدور إلى الطفيلي.

فقال الخليفة: ماذا يا فلان؟ أنشدنا من أبياتك.

فقال: ليس عندي شيء.

فقال: إذاً: ما الذي أدخلك؟ وكيف جئت؟ النقع والسيف! -النقع هو الجلد-.

فقال: مهلاً يا أمير المؤمنين! ألم يقل الله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [الشعراء:224]؟ فأنا غاوٍ! كنتُ ماشياً وراءهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015