فلذلك المسلم العاقل الذي يعرف أن الآخرة خيرٌ وأبقى يجتهد على أن يكون من الصنف الأول أو الثاني فقط.
فإما أن يكون رجلاً غنياً فيجتهد في أن يكون دائماًَ من الصنف الأول بأن يتعلم، ولا يرضى لنفسه بأن يكون بأخبث المنازل، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام.
وإما أن يكون رجلاً عنده علم لكنه فقير، فلا يتحسر على نفسه لأنه الثاني مباشرة في الترتيب، ثم هو وصاحب الدرجة الأولى سواء، بل هو في ذات نفسه أفضل من الأول، فالأول أنفع للناس، والثاني أنفع لنفسه.
فالغني يتأخر؛ لأن هناك حسابات، فلو كان هناك عالم غني وعالِِم فقير، الذي يدخل الجنة أولاً هو الفقير.
فإذاً: الفقير نفع نفسه وأما الغني فنفع غيره؛ لذلك كان الأول أفضل بالنسبة لله، والثاني كان أفضل بالنسبة لنفسه.
ولذلك قال الله تبارك وتعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:271]، وهناك فرق بين من يتصدق علانيةً ومن يتصدق في السر.
الذي يتصدق في السر، الخير عائد عليه هو؛ لأنه حفظ نفسه من الرياء، لذلك قال ربنا سبحانه وتعالى: {فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:271] وليس لهم؛ لأن (لهم) فالأول أحسن.
وفي المقابل قال تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة:271]، أي: نعم ما فعلتم؛ لأنه قد يغار شخص فيقول: وهل فلان أحسن مني؟ لماذا يتصدق وأنا لا أتصدق؟ فيتصدق.
فيكون هذا أصلح للفقراء؟ لذلك كان الذي يظهر الصدقة خيره يتعدى؛ لذلك قال الله: نعم ما فعل.
لكن الثاني الذي تصدق في السر، ضمن إخلاصه وحصَّن نفسه من الرياء، فكان خيراً له مثل الفقير.