التأصيل الذي أريد أن أذكره: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟! قال: ما عليه اليوم أنا وأصحابي).
أريد أن أشعرك -أيها المسلم- بالنعمة التي تعيش فيها؛ لتشعر بمدى تقصيرك، فهناك ثلاث وسبعون طريقاً، والذي يدخل الجنة طريق واحد فقط من الثلاث والسبعين، تُرى: الذين ضلوا من الثنتين والسبعين فرقة هل أنت أذكى منهم؟ أم هل أنت أشد عبادةً منهم؟ لا والله لقد كان فيهم الذكي الذي لو وزع عقله على أهل بلد لكانوا عقلاء، وكان فيهم الزاهد، وكان فيهم الورع والتقي، وحسبك ذلك الحديث: الذي ذكرناه آنفاً جماعة يقرءون القرآن، ويتقفرون العلم، وفي رواية أخرى: (يتقعرون)، أي: وصلوا إلى قعر العلم، ومع ذلك يقولون: لا قدر!! ما هذا الضلال المبين؟! وأين العلم الذي نزلوا إلى قعره؟ هل نفعهم؟ لم ينفعهم، وهل أتوا من غباء؟! لا.
لم يؤتوا من غباء، ولا من جهل لا بالأصول ولا بالفروع؛ لكنهم حادوا عن سيرة السلف الأوائل، وعن الطريق الوحيد الذي يوصل إلى الله عز وجل.
وعلى كل طريق من هذه الطرق شيطان يدعو إليها، ويزين الحجج، ويلقي بالشبهات؛ ولذلك سئل الإمام أحمد رحمه الله: هل نجادل أهل البدع؟ قال لا.
إلا أن تكون البدعة مشتهرة ولها خطر، وعلل الإمام ذلك بقوله: إن الشبهة خطافة، والقلوب ضعيفة، فمثلاً نجد القدرية يقولون: إن قدر الله عليَّ المعصية فلم يعذبني؟ ولو أرسلت عقلك خلف هذا السؤال لتحير عقلك؛ لأنك لن تجد جواباً، وفي آخر الحال ستتهم ربك بالظلم لماذا قدر عليَّ المعصية؟! كتب نهايتي قبل أن يخلقني بخمسين ألف سنة ثم يقال لي: أنت مختار! مختار في ماذا؟! لستُ بمختار؛ بل مجبر في الاختيار، فإن الاختيار شكلي محض، وفي حقيقة الأمر أنا مجبر!! لو أرسلت عقلك لأوصلك إلى هذه النتيجة.