من العقبات الموهومة ما يظنه بعض طلاب الإخلاص من أن التنعم بالمباحات عقبة في طريق الإخلاص، فالرسول عليه الصلاة والسلام بين لنا أن طلب المباحات المشروعة لا يعرقل العبد، بالعكس، لو نظر العبد إلى ما أباحه الله له وجد أن هذا يسهل عليه طريق الوصول؛ فكل شيء حرمه الله عز وجل جعل في مقابله عوضاً حلالاً، حتى لا يقع العبد في الحرام، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (وفي بضع أحدكم صدقة.
قالوا: يا رسول الله! أيأتي الرجل منا شهوته وله صدقة؟ -هذا شيء أستمتع به، إذاً تكفيه المتعة، لكن فلماذا يأخذ أجراً فوق المتعة؟! - قال: أرأيتم إن وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ قولوا: نعم.
فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر) فهو لما حرم عليه الزنا أباح له الزواج وملك اليمين والتسري، هذا كله عوض مباح، فهذا المباح الأصل فيه أنه أبيح لك لتصل إلى الله بسرعة وبأمان بلا مشاق ولا متاعب.
وقد روى مسلم في صحيحه أن حنظلة لقي أبا بكر الصديق رضي الله عنه في الطريق فقال له: نافق حنظلة! ما الأخبار؟ ما الحكاية؟ قال له: (نكون عند النبي صلى الله عليه سلم فيذكرنا الجنة والنار حتى كأنا رأي عين -يتكلم عن الجنة حتى كأنك تراها، والنار حتى كأنك تراها- فإذا تركناه ورجعنا إلى ديارنا وعافسنا النساء والضيعات، نسينا كثيراً مما يقول) يتهم نفسه بالنفاق يقول: أنا للتو قبل خمس دقائق كنت أبكي، وقلبي منفطر، وبعدها آتي آخذ الولد وأضمه إلى صدري، وألعب معه وأرقصه، ومن ثم أدخل على المرأة أمزح معها ماذا يعني هذا؟! ما هذا النفاق؟! المفترض ما دمت حزيناً أن أظل حزيناً هكذا دائماً، لكي أدوم على الإخلاص، لكني أحزن وبعد خمس دقائق أضحك! فظن أن هذا من النفاق، فقال: نافق حنظلة! فقال له أبو بكر الصديق: ما الحكاية؟ وبعد أن أخبره حنظلة بهذا الكلام قال له أبو بكر: والله وإني لأجد ذلك.
يعني أنا أيضاً أعاني من نفس الموضوع، أيضاً أسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النار ويتفطر قلبي، وأسمع عن الجنة يشتاق قلبي، وبعد ذلك بمجرد خمس دقائق أجلس فيها مع النساء أنسى الموضوع كله.
فذهبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أول ما حنظلة وصل قال: نافق حنظلة رفع الراية: نافق حنظلة، أول ما وصل رفع الراية: نافق حنظلة! ما الحكاية؟ قال له: يا رسول الله نكون عندك فتذكرنا الجنة والنار كأنا رأي عين، فإذا تركناك رجعنا إلى النساء والأولاد والضيعات ونسينا كثيراً مما تقول.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو تكونون -أو: لو تدومون- كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي الطرق، ولكن يا حنظلة: ساعة وساعة، ساعة وساعة، ساعة وساعة).
الناس فهموا (ساعة وساعة) الساعة والساعة فهماً خاطئاً، فاحتجوا على باطلهم قائلين: ساعة لقلبك وساعة لربك! حسناً! أين ساعة قلبك؟ - أربع وعشرون ساعة! - وأين ساعة ربك؟! إن الله غفور رحيم! أهذا كلام يعقل؟! يظل أحدهم يضحك أربعاً وعشرين ساعة! ولكي يسلوا الناس عملوا برامج الخواجة ديجي وأبو لمعة، وهو شخص حياته كلها قائمة على الفشر.
تصور حياته كلها قائمة على الفشر! والناس يضحكون! طول النهار يضحكون، فأين ساعة الله؟! إنها غير موجودة! فالنبي عليه الصلاة والسلام كأنه يقول لـ حنظلة: إنك لا تستطيع أن تصل إلى الله إلا إذا أخذت المباح، هذا هو معنى قوله: (ساعة وساعة) يعني: ساعة لنفسك تتمتع فيها بالمباحات التي أباحها الله لك، وساعة للصلاة والذكر.
وهذا النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (كل لهو باطل إلا ملاعبة الرجل لامرأته وفرسه وولده).
والآن تسمع من يقول لك: ما رأيك في لعبة الأتاري والألعاب التي على الكمبيوتر؟! رصاصة وبرتقالة وعلى الذي يلعب أن يصطاد البرتقالة بالرصاصة، ومن ثم يظل يلف ساعة لكي يصطاد البرتقال كله! هل ستعلم ولدك هذا الكلام؟! تضيع عمره؟! وبعد هذا يا ويله إذا فات الوقت المحدد وبقي هناك برتقالة لم تنزل؛ يرجع له البرتقال مرة أخرى؛ لكي يظل يضرب طول النهار، إذا طاف ثلاث دورات أو أربع، وما استطاع أن يصطاد البرتقال كله يبكي على نفسه.
يقال له: يا أحول، صار أحول، أحول ما يعرف يصيب الهدف.
ويشغلون الأولاد بهذه المسائل ويضيعون أعمار الأولاد بهذه الأشياء.
أصلاً: كل لهو باطل إلا هذه الثلاثة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن الرجل يلاعب امرأته لماذا؟ لأن المرأة شريكة الرجل، فلا يكن معها جاداً دائماً ولن يستطيع ذلك.
هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه -الذي هو أبو الجد كله- يقول: (ينبغي للرجل أن يكون كالطفل في أهله، فإذا التمسوا ما عنده وجدوه رجلاً) لا يظل طفلاً دائماً.
(ينبغي على الرجل أن يكون كالطفل في أهله) أي: يضحك ويلعب.
عرضت علي مشكلة في الشهر الماضي: شخص في نزاع مع امرأته، وهو للتو ملتزم جديد، والملتزم الجديد عنده شوق لكل شيء، نفسه يعمل كل حاجة، أول ما يقرأ حديثاً يريد أن ينفذ هذا الحديث، لديه حرارة! لكن هذه الحرارة هذه تضيع عليه الحكمة في التعامل مع الخلق ومع النصوص؛ من شدة الحماس المهم: وقع سوء تفاهم بينه وبين امرأته فقالت المرأة بعد ساعة من المشكلة: سأذهب أصالحه.
فذهبت وأخذت تطبطب عليه.
قال لها: عندك دليل؟! دليل ماذا؟! قال: عندك دليل على هذه الطبطبة؟! وهل هذه تحتاج إلى دليل يا بني؟!! أنت ماذا تريد؟! أحل لكم الطبطاب، أو الطبطبة أو)! فهو حين يقول لها: "عندك دليل؟ " يسد نفسها ويكسر خاطرها، كانت ناوية هي تعمل المسلسل! لكنه بهذه العملية أقفل عليها الباب، يعني كانت ناوية بعد الطبطبة تقول له الكلام الذي يقال في مثل هذا الباب، لكنه أقفل عليها وضيع عليها بقية الموضوع.
أنت رجل تتعب من أجل أهلك، فأحي إحسانك لأهلك بالمعروف، بالكلمة الطيبة الجميلة، بالكلمة الحسنة.
أنت الآن تصرف عليها وتنفق عليها، وتكسوها وتكسو أولادها، كثير من الناس يضيع هذا المعروف كله بالكلمة السيئة، دائماً مكشر، لا يكاد يرضى.
مثلاً: في شهر رمضان -والناس توسع على نفسها في شهر رمضان- يصعد أحدهم السلم ومعه عشرة أكياس أو خمسة عشرة كيساً: برتقال وفاكهة وأكل وكسوة، لكنه بمجرد أن يصل إلى الباب يدق بخشونة: افتحوا الباب -يغضب طبعاً- وحين يحط الأكياس: على الله يثمر فيكم! كلوا.
"على الله يثمر فيكم! " أنت قد صرفت ألف درهم مثلا، لكنك بهذه الكلمة ضيعت الألف درهم تماماً، أو حين تقول لهم: اطفحوا! راح الألف درهم.
لكن أنا لا أريدك أن تدخل بأي فاكهة ولا بأي كسوة، ادخل بلا شيء (لورا ويد لقدام)، وأول ما تدخل قل: السلام عليكم، أنا والله مقصر في حقكم، ونفسي أعمل لكم، وآتي لكم بلبن العصفور وتكلم هذا الكلام: الله يتولى جزاءكم، أنا لا أستطيع أن أجزيكم، أسأل الله أن يغفر لكم، أسأل الله أن يحسن خاتمتكم! أول ما يقول الرجل ذلك تقول له: تكفينا دخلتك علينا، أنت بالدنيا، سلامتك عندنا بالدنيا! فلوس؟! ما هذا الذي تقوله؟! وبذلك يحيي الرجل المعروف، ومن ثم يدفئ البيت بالكلام الجميل الطيب، قال تعالى: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى} [البقرة:263] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} [البقرة:264].
فأن تقعد وتتكلم وتتسامر وتسامر مع امرأتك هو هذا من اللهو المباح: (اللهو كله باطل إلا ملاعبة الرجل لامرأته) فهذا من اللهو المباح، إذاً أنت تلهو وفي نفس الوقت مباح لك ذلك لماذا؟ لكي تستمر عجلة الحياة.
كذلك ملاعبة الولد، وملاعبة الفرس، الذي أنت تجاهد به في سبيل الله عز وجل.
فهكذا كل لهو باطل إلا هذه الأنواع الثلاثة لماذا؟ لأنها تعينك على الجد والسير إلى الله عز وجل، فالحياة التي لا تكون هكذا جافة.
وفي الصحيحين من حديث أنس أنه جاء ثلاثة إلى أبيات النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن العبادة، فلما وجدوا النبي صلى الله عليه وسلم يلاعب النساء، ويضحك مع النساء، وكان له مع زوجاته مواقف جميلة، بالذات مع عائشة رضي الله عنها، كان له مواقف كثيرة جداً مع عائشة، وكان يتلطف معها.
الحقيقة هم راحوا لـ عائشة، وعائشة هي التي بلغت النبي صلى الله عليه وسلم قول هؤلاء الثلاثة، دخلوا: ما هي الأخبار؟ كيف النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل؟ قالت: (يكون كأحدكم في مهنة أهله، يخصف نعله، ويخيط ثوبه، فإذا أقيمت الصلاة قام للصلاة) مثلكم تماماً، ومن ثم تذكر أيضاً شيئاً من اللهو، وأن النبي صلى الله عليه سلم كان يلهو معها، وكان يباسطها، ويقول: (والله إني لأعرف غضبك من رضاك! قالت: كيف يا رسول الله؟ قال: إذا كنت علي غضبي تقولين: لا ورب إبراهيم! وإذا كنت عني راضية تقولين: لا ورب محمد! قالت: والله -يا رسول الله- ما أهجر إلا اسمك).
وهناك شيء آخر أيضاً! أنا أكاد أقطع أن هذا الشيء الذي سأذكره لا يفعله منا أحد.
في مسند الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: (بينما نحن في غزوة إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجال: تقدموا -يريد أن يمشي مع عائشة لوحده- فقال لها: تعالي أسابقك، قالت: فسابقته فسبقته، قالت: فتركني- مرت مدة: شهر أو شهران سنة أو سنتان- حتى إذا حملت اللحم (تعني أنها أصبحت بدينة) قال لي: تعالي أسابقك، قالت: فسابقني فسبقني، فجعل يضحك ويقول: هذه بتلك) واحدة بواحدة (هذه بتلك).
لكن: من الذي يعمل هذا؟! يقول لك أحدهم: أتركها تركب وتدلي رجليها؟! وأنا أجري معها، لو فعلت ذلك فلن أستطيع أن أكلمها بعد ذلك، وأنا سيد البيت، فلماذا