والأخذ عن الشيوخ له ثلاثة فوائد: يقصر لك العمر، ويسدد لك الفهم، ويرزقك الأدب.
الفائدة الأولى: يقصر لك العمر: فإنك تأتي على مسألةٍ ما فتسأله فيها؛ كالقراءة خلف الإمام -مثلاً- فيلخص لك هذا المبحث الذي وصل البحث فيه إلى مجلد أو مجلدين في بضع كلمات.
ولو جلست تبحث في هذا الموضوع لمكثت عدة أشهر، لكن الشيخ يختصر لك الزمان.
الفائدة الثانية: يسدد لك الفهم: كمسالة النزول بعد الركوع: هل يبدأ بالركبتين أم باليدين؟ فقد تناقشت أنا وأحد الإخوة فيها، فكان يقول: يبدأ بالركبتين، وأنا أقول: باليدين، وكان ممن قال بذلك: الإمام الحاكم النيسابوري.
فقلت لصحابي: من قال بقولك؟ فذكر عدداً من العلماء حتى ذكر الحاكم، فقلت له: وأنا أقول بقول الحاكم، والحاكم يرى صحة أحاديث النزول باليدين، فقال لي: إن الحاكم قال: (إن أحاديث النزول باليدين مقلوبة)، والحديث المقلوب مثاله أن يروي الراوي حديث: (ورجل تصدق بيمينه حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه) هكذا: (ورجل تصدق بشماله حتى لا تعلم يمينه ما أنفقت شماله)، فيقلب الحديث، ويسمى هذا الحديث مقلوباً.
فقلت له: أين ذكر الحاكم هذا الكلام؟ قال: في المستدرك.
فقلت: هات المستدرك.
فاتضح أن الحاكم بعدما روى أحاديث النزول بالدين، قال: وفي هذا آثارٌ عن الصحابة والتابعين، والقلب إليه أميل.
ففهم أن قول الحاكم:) والقلب إليه أميل) أي أنه مقلوب.
فقلت له: هذا قلب الحاكم أي: نفسه، فـ الحاكم يقول: وقلبي يميل إلى ما أثر عن الصحابة والتابعين.
وهذا مثال على أن الطالب عندما يقرأ لوحده في الكتب يخطئ في فهم كثير من المسائل.
وأذكر مثالاً آخر: رجل صنف رسالة، وهو ممن يذهب مذهب الخوارج، فقال حديث:: (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي) هذا الحديث إنما هو في أهل الصلاة والزكاة.
وأهل الكبائر: أي: أهل كبائر الأعمال، فقوله تبارك وتعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45] قال: (وإنها لكبيرة) يعني: شفاعته لأهل الكبائر.
مع أن العلماء يقولون: إن هذا الحديث في أهل كبائر الذنوب.
فهذا ما تبنى هذا الرأي إلا لأنه لم يقرأ إلا من الكتب؛ فكان لابد من الأخذ عن المشايخ.
- الفائدة الثالثة: الأدب: ومن أهم ما يزرقه طالب العلم من أخذه عن المشايخ: الأدب.
وعلماء الحديث كانوا يقسون على تلاميذتهم ليؤدبوهم وليكسروا الغرور فيهم.