الغربة في طلب العلم

قال: والغربة على نوعين، وولا ينبل طالب العلم إلا إذا حقق النوعين معاً: النوع الأول: أن يكون غريباً في وسط الناس، له اهتمامات غير اهتمامات الخلق هم يبحثون عن الضياع وعن المتع وعن الدنيا، وهو يباينهم تماماً، كما في الأبيات التي تنسب للشافعي: سهري لتنقيح العلوم ألذ لي من وصل غانية وطيب عناق وألذ من نقر الفتاة لدفها نقري لألقي الرمل عن أوراقي يا من يحاول بالمنايا رتبتي كم بين مستقل وأخرواقي أبيت سهران الدجى وتبيته نوماً وتبغي بعد ذاك لحاقي والإمام الخطابي رحمه الله له بيتان من الشعر فيهما يتوجع فيهما ويذكر هذا النوع من الغربة فيقول: وما غُرْبَةُ الإنسان في شقة النَّوَى ولكنَّهَا والله في عَدَمِ الشكْلِ وإنى غريبٌ بين بُسْت وأهلها وإن كان فيها أُسْرَتِي وبها أهْلي يقول: ليست الغربة أن تغترب عن بلدك، لكنها في عدم الشكل: أي: ألا يكون لك شكل.

أنت من أهل السنة وكل الموجودين مبتدعة أنت غريب أنت طالب علم نافع وكل الذين حولك من أرباب الدنيا فأنت غريب، لا يوجد لك شكل، ولا يوجد مثلك.

و (بست) وهي اسم المدينة التي كان منها أبو سليمان.

هذا هو النوع الأول من الغربة.

النوع الثاني: وهو أنبل وأعظم، وهو الذي يسميه العلماء: الرحلة في طلب العلم، أن يغترب المرء عن بلده وأولاده لطلب العلم، وعلماء الحديث أعظم الناس منة على هذه الأمة بهذه الرحلة، فأكثر الناس رحلة هم علماء الحديث، فكم من ليالٍ افترشوا فيها الغبراء والتحفوا السماء! وفارقوا الأهل والأوطان والديار في سبيل تحرير لفظة واحدة أنت لا تقيم لها الآن وزناً!!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015