ومن طلب الإعانة في إزالة منكر؛ لأنه لا يمكنك إزالة المنكر إلا إذا وصفت المنكر للذي ترجو منه العون، ولا يصح أن تقول له: انهض معي لنزيل المنكر دون أن تخبره ما هو المنكر ومن الذي قام به، فإذا لم تخبره فإنه لن ينهض معك لتغيير هذا المنكر ولن يحرك ساكناً.
كما روى الإمام أبو داود وابن الجارود في المنتقى: أن شخصاً ذهب إلى مسجد من المساجد، فسمع جماعة يقرءون قرآناً عجباً، ليس مثل القرآن الذي سمعه الجن {فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} [الجن:2] فقد كان قرآناً عجباً بالنسبة لهم، وهو قرآن يهدي إلى الرشد، إنما سمع قرآناً عجباً يهدي إلى الفقر، سمعهم يقولون: واللاقمات لقماً والخابزات خبزاًً والعاجنات عجناً! فأول ما سمع هذا الكلام ذهب إلى ابن مسعود، وقال له: سمعت الآن أقواماً يقرءون كذا وكذا، وكان أميراً على الكوفة، فأرسل صاحب الشرطة فجاء بهم؛ فكان أحدهم رسول مسيلمة الكذاب الذي أرسله إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فـ مسيلمة بعث رسولاً لكي يقول للرسول صلى الله عليه وسلم آمن بي! فقال عليه الصلاة والسلام: (لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتك)، وأبى الرسول عليه الصلاة والسلام أن يقتله؛ لأنه رسول، فلما وجده ابن مسعود قال: والله لأقتلنك، وأمر به فقتله، لماذا؟ لأنه انتفت عنه الصفة التي من أجلها عُصِم دمه، امتنع الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (لولا أنك رسول لقتلتك)، لكنه الآن ليس رسولاً.
إذاً هذه الأوصاف الستة التي لا يكون فاعلها مغتاباً ولا يأخذ حكم المغتاب: القدح ليس بغيبةٍ في ستة متظلم ومعرف ومحذر ومجاهرٍ فسقاً ومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر نسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا وإياكم بما علمنا، وأن يعلمنا ما جهلنا، ونسأل الله أن يجمعنا وإياكم على الخير.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، والحمد لله رب العالمين.