إنما سميت الكبيرة كبيرة لجسامة جرمها، وأنكر جماعة من المعتزلة أن يكون في الذنوب صغائر وكبائر، قالوا: (كل ذنب كبير إذا قيس بجانب الذي عصيته)، ويقول بلال بن سعد: (لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر إلى عظم من عصيت)؛ لذلك عظموا المعصية، وقالوا: إن كل ذنب كبير.
وهذا خطأ، وهو مخالف للشرع وللعقل.
أما مخالفته للشرع: فقد قال الله تبارك وتعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء:31]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى:37]، وقال تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم:32]، وهذه الآية واضحة، فجعل الذنوب كبائر، وفواحش، ولمماً.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك.
قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك.
قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك؟) ونزل في ذلك قول الله تبارك وتعالى مصدقاًَ كلام نبيه ومرتباً: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان:68].
الذنوب فيها كبير، وفيها أقل، وفيها أقل، ومن جهة العقل فقد اتفق العقلاء: أن من لطم رجلاً ليس كمن قتله، فإن من قتل رجلاً بحديدة فأرداه لا يعامل -لا في أعراف البشر، ولا في أحكام الله عز وجل- معاملة الذي لطم.
فكما أن الإيمان يتفاوت، فكذلك الظلم يتفاوت، وكذلك الفسق يتفاوت، وكذلك الذنوب تتفاوت، فهناك ذنوب كبيرة، عظيمة جسيمة، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم منها نحو ثلاثين كما في الأحاديث الصحيحة، وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أنه قيل له: هل الكبائر سبع؟ قال: هي إلى السبعين أقرب) يشير إلى أن الكبائر لا تنحصر لا في سبع ولا في تسع، إنما مجموع ما ورد في الأحاديث الصحيحة من الكبائر يصل إلى ثلاثين، وقد اتكأ كثير من العلماء الذين صنفوا في الكبائر على أحاديث ضعيفة، لكننا لا نعول إلا على الصحيح.
إذاً: ما هي الكبيرة؟ وما حدها؟