الكبيرة هي: كل وعيد ختمه الله عز وجل بعذاب أو بنار أو بلعنة أو بغضب، كل هذا كبيرة، وكل معصية أوجبت الحد فهي كبيرة، وألحق العز بن عبد السلام بهذا: من استهان بالذنوب حتى لو تبين له أنها حلال، نضرب مثلاً لذلك: لو أن رجلاً أراد أن يزني فوطئ امرأة، فاكتشف أنها زوجته، هل الإثم ينحط عن هذا الإنسان؟
صلى الله عليه وسلم لا، كذلك لو أقدم على قتل إنسان يظنه معصوم الدم -أي: لا يحل له أن يقتله- فاكتشف عندما نظر في جثته أن هذا قتل أباه أو أخاه، وأن دمه هدر، فهذا يؤاخذ؛ لأنه لما قتل كان يعتقد أنه يقتل معصوم الدم، ولا عبرة في أن يقول: إن هذا كان حلال الدم؛ لأنه قتل أبي أو قتل أخي فوجب منه القصاص، وهذان المثلان ضربهما العز بن عبد السلام فيمن يستهين بالذنوب.
فالكبيرة هي ما ختم بعذاب أو غضب، كقول الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93]، فهذا واضح أنه من أكبر الكبائر، والنبي عليه الصلاة والسلام ذكر هذا من السبع الموبقات، التي بدأها بـ: (الإشراك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق) أي: ينبغي أن يقتل بحق: إما زنا بعد إحصان، أو ردة عن الإسلام، فالقتل العمد من السبع الموبقات، ولقد ختمه الله عز وجل بخمس عقوبات.
كذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم -وهذا بكل أسف استهان به كثير من المسلمين، مع أن العقوبة مضاعفة على صاحبها!: (ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم -هذه كلها تؤذن بأن الذي سيأتي من الكبائر-: المسبل إزاره) الذي يطيل الإزار تحت الكعبين، والكعب: هو العظم الناتئ في أعلى القدم، وهناك كثير من المسلمين يجرجرون أزرهم، ويقولون: المهم القلب، ويقولون: نحن لا نفعل ذلك خيلاء، وحسبك ما ورد من الوعيد في مقدم الكلام: (ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم -كيف يقال: هذه قشور، أو هذه صغيرة وقد تقدمها هنا الوعيد؟! -: المسبل إزاره، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) في الأسواق يحلف بالأيمان الغلاظ أن هذه السلعة جيدة وممتازة، وهو يعلم أن هذه السلعة مكتوب عليها: صنعت في بلد كذا، وهو الذي وضع هذه الصناعة، كثير من التجار يسأل، مثلاً عن البضاعة اليابانية فيجد لها قيمة، وجميع الناس يقبلون عليها، فهل يجوز لنا أن نأتي ببضاعة من الصين أو من أي بلد ونضع عليها صنع في اليابان، والناس يقبلون على ذلك؟ فهذه سرقة، وحرام شرعاً.
كذلك تغيير مقاسات الملابس، يعلمون مثلاً أن المقاس الأكبر هو المطلوب، فيأتي التاجر على المقاسات المتوسطة ويضع عليها مقاساً كبيراً، فأنت تنظر إلى الورقة الموضوعة على الملابس وتشتري، ثم تجد أن هذا الذي كنت تظن أنه يلائمك، على مقاس ولدك الصغير، وهذا كله حرام وغش وفسق، ولا يجوز، ويحلف بالله العظيم أن هذه السلعة صنعت في اليابان، أو في البلد الفلاني، فهذا ينفق سلعته بالحلف الكاذب.
وقوله: (والمنان) -الذي إذا فعل منّ- فهذه كلها تؤذن أنها من الكبائر.
فالكبيرة: ما لعن فاعلها، وهذا ما ذكره العلماء في الحد، إذا لعن الله أحداً أو لعن رسوله أحداً فقد ارتكب كبيرة، قال صلى الله عليه وسلم: (لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده) وهذا الحديث من الأحاديث التي فيها جواز لعن المعين، كما في الحديث الحسن: (أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إن جاري ظلمني.
فقال له: خذ متاعك، وقف على قارعة الطريق.
فأخذ الرجل متاع البيت ووقف على قارعة الطريق، فمر رجل، فقال: مالك يا فلان؟ فقال: جاري ظلمني.
فقال: لعنه الله، قاتله الله ومضى.
وجاء آخر فقال: مالك يا فلان؟ فقال: ظلمني جاري؛ فقال: لعنه الله، قاتله الله ومضى.
وجاء ثالث -وهكذا دواليك، والجار يسمع- فجاء الجار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! مره أن يرد متاعه إلى الدار فإن الناس لعنوني).
وفي النساء المتبرجات قال النبي صلى الله عليه وسلم: (العنوهن إنهن ملعونات) المرأة التي تسير في الطريق متبرجة كاشفة عن شعرها ونحرها وصدرها وساقيها ويديها قال: (العنوهن إنهن ملعونات) لا تقل: لعنة الله على فلانة بنت فلان لا، لكن قل: لعنة الله على المتبرجات، فهذا يشمل جنس المتبرجات، ولكن لا نلعن فلانة بنت فلان؛ لاحتمال أن تتداركها رحمة الله عز وجل فتتوب، وأصل اللعن: الطرد من الرحمة.
فأيما نص وجدت فيه لعناً لصاحبه فهذا داخل في أبواب الكبائر.
أسأل الله عز وجل أن يقينا وإياكم كبائر الذنوب وصغارها.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.