إن أعدى أعداء الإنسان الشيطان، كما قال عليه الصلاة والسلام: (الشيطان ذئب الإنسان)، وقد ذكرنا قبل ذلك: أن هذا الشيطان نصب فخوخاً لبني آدم ستة تندرج تحتها كل أجناس الشر، وهي تترقى إلى أسفل، وقد يتعجل المرء، فهذا عدوك يترقى بك في المهالك إلى أعلى، فكيف يترقى الشيطان بك إلى أسفل؟ الشر الأول: أن يوقعه في الكفر، فإن نجا العبد من الكفر أوقعه في البدعة، فإن نجا من البدعة أوقعه في الكبيرة، فإن نجا من الكبيرة أوقعه في الصغيرة، إذاً: هذا تدني وتدرج لأسفل، وهذا لا يناسب كيد الشيطان، فيقال: إن هذا تدرج يائس مفلس، يريد أن يوقع بك الضر على أي وجه، لا يدعك سالماً على الإطلاق.
يبدأ بالكفر، فإن نجا لا يتركه، لكن يتدرج به إلى أسفل رجاء أن يرجع به مرة أخرى إلى الكفر.
هناك كلمة حسنة يقولها علماء السلف، يقولون: إن المقاتل لا يغير عقيدته، ولكن يغير موقعه.
أنت رجل لك هدف، إذا مضيت في هذا الطريق القصير اعترضتك عقبات كثيرة، فليس من الحكمة أن تدخل وتجابه كل هؤلاء الأعداء في هذا الطريق، لكن ارجع إلى الوراء وابحث عن طريق آخر ولو كان بعيداً، المهم أن تصل سالماً.
إذاً: رجوعك القهقرى إلى الخلف ليس هزيمة، ليس النصر أن تكسب أرضاً، وأن تتقدم إلى الأمام إذا كان في التقدم عطبك، اعلم أن النصر ألا تدمر وتهلك، ولذلك فإن القادة العسكريين يجعلون رجوع الجيش سالماً منهزماً من أبواب النصر؛ لأنه يستطيع أن يهاجم بهذا الجيش مرة أخرى، لكنه لو استمر على مواجهة العدو بدون سلاح قوي فهذه الهزيمة.
فهذا الشيطان إن عجز أن يلقيك في الكفر يتدنى بك الصغائر ثم الكبائر، ثم إلى الكفر مرة أخرى.
البدعة بريد الكفر وبوابته، وكذلك الكبائر إن أصر العبد عليها واستحلها كفر، إذاً: أخذه من الكبائر إلى الكفر، وقد يأخذه من باب المباح ويلقيه في الكفر، قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [النور:21] إنها خطوات ماكرة خفية، فقد يدخل الكفر من باب المباح وهو لا يدري.
فتكلمنا عن الكفر، وتكلمنا عن البدعة، والآن نتكلم عن الكبائر: