فلو افترضنا أن النقطة هذه هي زمان النبوة، فالخلاف الحادث فيها كان خلافاً يزول بسرعة؛ -كما قلنا- لأنهم ما كانوا يختارون الخلاف، إذا أخذت ضلعاً أو خطاً مستقيماً من هذه النقطة، واعتبرت أن هذه هي الأوامر والنواهي، وأن هذا هو الإسلام، وأخذت خطاً مستقيماً آخر ينبع من ذات النقطة، ومثلنا الصورة هكذا هذا رأس المثلث وهذان الضلعان، كلما انحدرت إلى أسفل كلما ازدادت المسافة بين الضلعين أي: أنك كلما انحدرت وبعدت عن مصدر الضوء -وهو النبي عليه الصلاة والسلام- فكلما أوغلت في الظلام بعدت، وكلما ابتعدت المسافة بين الضلعين بعد الإنسان عن زمان النبوة، وكلما بعد عن تحقيق الإسلام يكون بينه وبين الأوامر والنواهي خط طويل طويل.
فلا شك أن الاتباع -اتباع النبي عليه الصلاة والسلام- فرع عن المحبة التي تكون في قلب العبد للنبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن الذي يحب النبي عليه الصلاة والسلام يستحيل أن يخالفه، أعجز كثير من المسلمين أن يكونوا كهذا الرجل الذي طاف بديار محبوبته يوماً، فقال: أمر على الديار ديار ليلى أقبل ذا الجدار وذا الجدار وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديار مجرد أنها كانت في هذا المكان فهو يرى أن لهذا الجدار منة عليه وحقاً، أنا لا أقصد إقراره على هذا المعنى، لكن لعل المعنى الذي أريده وصل إليكم.
وكهذا الرجل الذي أراد أن يهدي محبوبه يوماً هدية، ولكنه كان عاجزاً فبكى ثم قال: أرسلت دمعي للحبيب هدية ونصيب قلبي من هواه ولوعه قال اجتهد فيما يليق بقدرنا قلت اتئد جهد المقل دموعه ما أملك إلا هذا فأنا أرسله إعلاماً بالمحبة.