بعدما أمن الرسول صلى الله عليه وسلم الطلب وبعد عن مكة، مر على امرأة تسمى أم معبد، وهي امرأة في طريق المسافرين تكرم الضيوف.
فلما نزلوا عليها قال لها أبو بكر رضي الله تعالى عنه: (هل عندك من لحم شراء أو قرى، إن تبيعي نشتري، وإن تقرينا نقبل) قالت: يا هذا! إن كنت تريد القرى واللحمة فعليك بشيخ القبيلة، أنا امرأة عجوز في الطريق.
فنظر صلى الله عليه وسلم إلى شاة ضعيفة في البيت، وفي بعض الروايات: أنه نزل بجانبها في الظل، فلما وجدتهم جالسين ووجوههم وجوه خيرة، دعت غلامها وقالت: يا غلام! خذ هذه الشاة الكنوز والشفرة، واذهب بها إليهما وقل لهما: اذبحاها وكلا وأطعمانا منها.
هنا تأتي معجزة أخرى ويأتي موقف يحتاج إلى تأمل وتعمق: أنتم طلبتم لحم قرى أو شرى وجاءكم اللحم، فإذا بسيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه، إذا بالرحيم والرحمة المهداة حينما يكون في طريقه إلى خطوات الدعوة وارتياد موطن آخر، يأبى أن يريق دماً في طريقه ولو كان لشاة، يقول: يا غلام! رد الشفرة، وائتني بقدح.
فقالت العجوز: قل له: إنها كنوز وليس فيها شيء.
قال: قلت له.
قالت له: خذ، وأخذ الإناء وذهب إليهما، فأخذ صلى الله عليه وسلم العنز ومسح ضرعها ودعا الله، فدر ضرعها، وحلب وملئ الإناء، وقال: اسقها أولاً، قالت: لا والله أنت أحق بالسقيا أولاً، فشرب صلى الله عليه وسلم، وشرب أبو بكر، وشربت المرأة، وشرب الغلام، وبقي الإناء ملآن باللبن، ثم دعا الله فانكمش الضرع وعاد كما كان.
فلما جاء أبو معبد، قال: من أين لكم هذا اللبن؟ قالت: من شاتنا.
قال: أليست بكنوز؟ قالت: بلى، فقد مر بنا رجل، لئن كان ساحراً لهو أسحر الناس على وجه الأرض، ولئن كان صالحاً لهو أصلح الناس على وجه الأرض.
قال: لعله رجل قريش، قالت: لا أدري، ومضى صلى الله عليه وسلم في طريقه حتى وصل إلى قباء.