المقدم: إذاً: فالكذب الذي حصل على الشيخ رحمه الله في عصره لا زال يتكرر، حتى في هذه العصور التي نعيشها، فهناك كذب صريح على الشيخ، وقد تبرأ من كثير من الأشياء التي نسبت إليه، ووضح بعض الأشياء التي فيها شيء من الغموض، وأكد على أشياء أنه قال بها؛ لأنها وردت في كتاب الله وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: نعم، فمنذ وقته وإلى يومنا هذا نجد أن أغلب الشبهات والبهتان والمفتريات التي أثيرت في وقتها على الشيخ تكرر بأساليب حسب العصر وحسب المصطلح.
المقدم: من هذه المفتريات أو الشبه التي نسمعها والتي تحتاج إلى شيء من الإيضاح، قولهم: أنتم يا من اتبعتم دعوة الشيخ: محمد بن عبد الوهاب لا تحبون النبي عليه الصلاة والسلام والأولياء الصالحين! بدليل أنكم لا تعملون مولد النبي عليه الصلاة والسلام، ولا تتوسلون بالأولياء، فهل هذا فيه شيء من عدم حب النبي عليه الصلاة والسلام والأولياء الصالحين؟ الشيخ: عندما توسعت الدعوة وصار لها كيان سياسي أحب أن أشير بإيجاز أو أذكر لمحة بسيطة حول قضية يثيرها الخصوم: وهي أن الدعوة حينما قويت أو توسعت وصار لها كان سياسي لم تبدأ بقتال، وهذه هي الحقيقة التاريخية التي لا محيد عنها.
كما أنه قد اعتدي عليها، وحرمت من بعض الشعائر التعبدية كالحج، فقد منع أتباع الدعوة من الحج سنين، وما ذاك إلا محاصرة للدعوة ولأفرادها، مع أن الإسلام يأمر أتباعه بالدفاع عن أنفسهم إن حصل عليهم اعتداء، بل وأصحاب العقول السليمة يقولون بذلك، والمهم أنه في وسط أو آخر عهد الدولة السعودية الأولى بدأت الدولة تصدر ما يشبه النظام الذي تتبناه ومنهجها تجاه الآخرين، وأقول هذا لأن فيه جزءاً من الجواب عن الذي سألت عنه.
وقد دخل الإمام: عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب على الملك سعود بن عبد العزيز في مكة وعرض عليه أصولهم ومبادئهم علناً أمام الناس، وكان ذلك بمثابة دستور واضح.
يقول: وأما ما يكذب علينا ستراً للحق وتلبيساً على الخلق بأنا نفسر القرآن برأينا، ونأخذ من الحديث ما وافق فهمنا من دون مراجعة شرح ولا معول على شيخ، وأنا نضع -أي: نقلل- من رتبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقولنا: إن النبي رم في قبره هكذا زعموا، وعصا أحدنا أنفع له منه، وليس له شفاعة، يعني: النبي صلى الله عليه وسلم كما زعموا، وأن زيارته غير مندوبة، وأنه كان عليه الصلاة والسلام -انظر إلى هذا البهتان والكذب على أئمة الدعوة- لا يعرف معنى لا إله إلا الله حتى أُنزل عليه: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19]، مع كون الآية مدنية! فانظر اللفتة العجيبة في ذلك.
ثم قال رحمه الله تعالى: وأننا لا نعتمد على أقوال العلماء، وأننا نتلف مؤلفات أهل المذاهب لكون فيها الحق والباطل، وأننا مجسمة، وأننا نكفر الناس على الإطلاق من أهل زماننا ومن بعد الستمائة، فانظر تجد أنها هي نفس الشبهة التي قيلت للشيخ.
ثم قال رحمه الله: إلا من هو على ما نحن عليه، ومن فروع ذلك: أننا لا نقبل بيعة أحد إلا بعد التقرير عليه بأنه كان مشركاً، وأن أبويه قد ماتا على الإشراك، وأننا ننهى عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ونحرم زيارة القبور المشروعة مطلقاً، وأن من دان بما نحن عليه سقط عنه جميع التبعات حتى الديون.
المقدم: إذاً: فما الفرق بين هذا الدين وبين دين المشركين في عهد النبي عليه الصلاة والسلام؟ الشيخ: نعم، فانظر البهتان.
ثم قال: وأننا لا نرى حقاً لأهل البيت رضوان الله عليهم، وأننا نجبرهم على تزويج غير الكفء لهم، وأننا نجبر بعض الشيوخ على فراق زوجته الشابة لتنكح شاباً إذا ترافعوا إلينا، فلا وجه لذلك، وذكر في أول الحديث أن بعض علماء مكة والحجاز استفهموا عن حقيقة هذه الأمور، وأن أئمة الدعوة والعلماء والإمام سعود، وهو الذي يعتبر ملكاً ومع ذلك كان عالماً فقيهاً، تولى الرد على هذه الشبهات مع الشيخ: عبد الله.
يقول: فكان جوابنا في كل مسألة من ذلك: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور:16]، فمن روى عنا شيئاً من ذلك أو نسبه إلينا فقد كذب علينا وافترى.
المقدم: إذاً: دعنا يا شيخ في صلب هذه الشبهة، يعني: أنهم لا يحبون النبي عليه الصلاة والسلام بدعوى أنهم لا يحتفلون مثلاً بمولده، ولا يحتفلون بالإسراء والمعراج، ولا يدعون إلى زيارة قبره، فهل هذا المنع من هذه الاحتفالات ناتج عن دليل صحيح؟ الشيخ: أحياناً هم يجعلون الحق باطلاً، يعني: أن الدعوة قد قامت على السنة ومحو البدعة، مع أن كثيراً من المسلمين قد ابتلي ببدع كثيرة لا يقرها الشرع، وأغلب البدع تتعلق بممارسات تجاه النبي صلى الله عليه وسلم، مثل: الموالد، والتوسل البدعي، ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم من دون الله، ودعاء الأولياء أو الطغاة في قبورهم أو التوجه إليهم بالتوسلات البدعية، فهذه لا شك أنها من البدع المنكرة وقد منعتها الدعوة، وذلك لما تمكنت الدعوة