أخيراً: لا بد في ترشيد هذه الصحوة المباركة: صحوة المسلمين عموماً، وما نراه من بوادر عودتهم إلى الإسلام، لا بد من إحياء المعاني الشرعية للحسبة بمعناها الواسع، لا كما يظن بعض الناس أن الحسبة هي ما هو موجود الآن بمجرد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن كان هذا أصل من أصول الدين وركن من أركانه، لكن الحسبة أوسع من ذلك، الحسبة إضافة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعني: تحقيق التكافل بين الأمة، تعني تحقيق القوة للإسلام والمسلمين، تعني: تحقيق العدل ورفع الظلم، تعني: أداء الحقوق كلها بما فيها حق الله سبحانه وتعالى، وحق الرسول صلى الله عليه وسلم، وحق الإسلام والأمة، وحق العامة والخاصة من المسلمين، وتعويد المسلمين على معنى أداء الحقوق صغيرها وكبيرها، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً.
ولا بد أيضاً في تحقيق المعاني الشرعية للحسبة بمعناها الواسع من إخراج المسلمين من هذه السلبية القاتلة، السلبية التي تتمثل بعدم الاهتمام بشئون الإسلام والمسلمين، وباطراح أو تقاذف المسئولية ومحاولة التخلي عن المسئولية وإلقائها على الآخرين.
وتتمثل أيضاً هذه السلبية بالتوهم الكاذب، توهم أن الشر قوي، وأن أهل الشر لديهم الوسائل الفتاكة، وتوهم اليأس من نصر الإسلام والمسلمين، وتوهم وسائل الأعداء وما لديهم، وأحياناً توهم ما لا يوجد، من اعتقاد أن خصوم الإسلام لديهم تخطيط ولديهم وسائل ولديهم الاستعداد لكبت الإسلام والمسلمين.
وهذا وإن كان يوجد شيء منه، لكن ليس بالحجم الذي يتوهمه المتوهمون، فالله سبحانه وتعالى أقوى وهو فوق الجميع، والله وعدنا بالنصر الأكيد إذا صدقنا معه، والله سبحانه وتعالى وعدنا بالنصر المؤزر، فلماذا ننسى وعد الله؟ ولم نضخم من قوة الخصوم؟ وهي مهما بلغت، وحتى لو صدقت هذه الإحصائيات وصدقت هذه التخطيطات وصدقت هذه الوسائل عند الكفار فهي لا تساوي شيئاً أمام الرعب من الحق، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (نصرت بالرعب) وهذا النصر للأمة كلها، وقد رأينا رعب الكفار في أقصى الغرب من أي مظهر من مظاهر عز المسلمين في أقصى الشرق، رعب هز قلوبهم وكيانهم، فإذا كان كذلك فكيف لو أشعرناهم فقط بأنا أقوياء نفسياً؟ حتى لو لم نملك وسائل، مع أننا لو قوينا لملكنا الوسائل، لكن مع افتراض أنا لا نملك وسائل لو قويت نفوسنا وقويت قلوبنا وقويت عزيمتنا وقويت ثقتنا بالله سبحانه وتعالى وبنصره ووعده لكان هذا كافياً لإحباط قوة الكافرين في مهدها.
ومع ذلك أيضاً لا نتصور أن النصر سينزل من السماء من غير ابتلاء، لا بد من الابتلاء، لكن الابتلاء الحاصل في حال الذل والهوان أشد وأنكى على المسلمين من الابتلاء الذي يحصل لهم في حال إعلان الجهاد.
فموازين المسلمين اختلت فيجب أن نعيد الموازين الصحيحة إليهم، ويكون ذلك عبر هذه الصحوة المباركة، يجب أن تخرج الأمة من هذا التوهم الذي هي فيه، من السلبية القاتلة المميتة والاتكال على الآخرين والأنانية، وهي صفات - مع الأسف - متأصلة في المسلمين في هذه العصور القريبة، وبدأت - بحمد الله - تتخلص منها الدعوة والصحوة، لكن يجب أن نؤصل هذه المعاني أيضاً بقوة، ونستمدها من أصولها الشرعية من الكتاب والسنة.
أيضاً لا بد من خروج المسلمين من حال التقوقع والانطوائية وضيق الأفق في كل مجال، ولا بد أيضاً من السعي إلى نشر الخير والنفع العام للأمة، فهذه الصحوة طاقات مهدرة ومشتتة الآن، وبدأت تتآكل وبدأت تتهارش فيما بينها، وسبب ذلك عدم استغلال طاقاتها في النفع العام وفي نشر الخير.
أقول: إن من أعظم أسباب وجود الافتراق واللمز وانشغال الدعاة بعضهم ببعض، أو انشغال شباب الصحوة بعضهم ببعض هذا التآكل والتهارش الذي بينهم، ومن أعظم أسبابه هو عدم استغلال الطاقات وإهدار الطاقات، ومن أعظم أسباب إهدار الطاقات: هو الحجر على المسلمين في مسألة استعمال الوسائل، ودعوى أن الوسائل توقيفية، وأنه يجب أن نعمل في طريق الدعوة كما عمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في كل شيء، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أباحوا كل وسيلة لا تتعارض مع الشرع، بل استخدموها وأوجبوها.
هذه هي السنة الصحيحة، أما أن نحجر على المسلمين فنحرم عليهم الوسائل والطرق والتخطيط والتنظيم والعمل المؤسسي وعمل الخير، والانفتاح على شئون الحياة الأخرى، وتحصيل ما فيه مصالح الإسلام والمسلمين، فإن هذا هو الخطأ والخطل والخطر، بل هو التحجر بعينه.
إذاً: لا بد من فتح مجالات الخير، واستغلال مواهب الشباب وطاقاتهم في النفع العام للأمة، والإسهام في نهضتها العلمية والاجتماعية والاقتصادية، وذلك على أسس شرعية ملتزمة بأصول الشرع وبنصوصه وقواعده.
ومن أهم ذلك الخروج عن مجرد التركيز أو عن العمل العلمي الفكري إلى العمل الجاد في الجانب المؤسسي، من خلال الجمعيات، من خلال المؤسسات، من خلال المنظمات الإسلامية القائمة، أو حتى إنشاء مؤسسات وجمعيات لاستغلال طاقات الأمة وترشيدها وتوجيهها في سبيل الخير والنفع العام، ولا بد م