ثانياً: المنهج التطبيقي الذي سارت عليه هذه الدعوة في جميع الجوانب، يعني: هذه الدعوة أقامت كياناً متكاملاً، كياناً دينياً كما يعبرون عنه، وكياناً سياسياً، وكياناً اقتصادياً، وكياناً اجتماعياً، وكياناً علمياً، وكياناً حضارياً ومدنياً، وبالتالي أقامت دولة بكل مقوماتها، لكن بعض الناس يظنها دولة ساذجة، أو كياناً -كما يقولون- ريفياً أو كياناً بدوياً، أو أحياناً يعبرون بتعبيرات تدل على اللمز، وهذا في الحقيقة خلاف الموازين، ولو قيموها بالموازين العلمية الصحيحة لوجدناها في وقتها وفي بيئتها تعتبر دولة في منتهى المدنية والحضارة، فقد أحيت العلم، يعني: النهضة بجميع جوانبها، الحرفية والصناعية وغيرها، وأصبح مجتمع نجد وما حوله من البلاد والبقاع التي سيطرت عليها أو تمكنت منها الدعوة في الدولة السعودية الأولى -وكان الشيخ: محمد بن عبد الوهاب قد عاش جزءاً منها- دولة وكياناً متكامل العناصر، أي: دولة دينية ومدنية.
المقدم: ومما يدل على أهمية وقوة وحضارة هذه الدعوة أن نجداً لم يلتفت إليها إلا بعد قيام الدعوة، وأنها عنصر منافس لانتشار هذا المذهب وانتشار هذه العقيدة، لذلك نجد أن الدولة العثمانية قد حاولت أن تحاصر هذه الدعوة حتى لا تخرج عن هذا الإطار.
الشيخ: نعم، وأشاعوا أنها دولة بدائية، وأنه ليس عندها من مقومات الحضارة ولا من مقومات المدنية، وهذا كله خلاف الواقع إذا قارناها بالسابق، وقارناها ببيئتها الجغرافية والزمانية.