الاقتصار في طلب العلم على الوسائل فقط

سادساً: التتلمذ على مجرد الوسائل، وهو أن يكتفي طالب العلم بأخذ العلم عن الكتب، وينطوي وينعزل عن أهل العلم وعن أهل الخير، وعن أهل الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعن العلماء، ويقول: أنا أتلقى العلم عن الكتب وعن الوسائل، ولدي الكتاب والشريط والإذاعة إلى آخره، من الوسائل المقروءة والمسموعة، ثم يقول: أنا بإمكاني أن أتعلم بهذه الوسائل.

أقول: لا شك أن هذه الوسائل نعمة، لكنها أيضاً سلاح ذو حدين، فالاكتفاء بأخذ العلوم الشرعية عنها إنما هو مسلك خطير جداً، وهو من أسباب الافتراق؛ لأن هذا يُوجد أشخاصاً وصوراً ممسوخة لأهل العلم، يأخذون العلم على غير أصوله، وعلى غير قواعده، وبغير اهتداء واقتداء، ويأخذون العلم بمشاربهم هم، وبأهوائهم وبأمزجتهم، وبأحكامهم المفردة، والإنسان مهما بلغ من الذكاء والقدرة والتأهل للعلم، فإنه وحده لا يستطيع أن يصل إلى الحق ما لم يعرف ما عليه السلف، وما عليه أهل العلم في وقته، ويعالج قضايا العلم وقضايا الأمة والأحداث مع العلماء، فإنه بذلك يَهلك ويُهلك.

بل إن هذه الوسائل أوجدت عندنا صوراً ممسوخة لمن يسمون بالمثقفين، وعندهم من المعلومات ما يعجب الناس ويبهرهم، لكنهم لا يقرون بأصل، ولا يفهمون منهج السلف، وبذلك يقتدى بهم بغير علم، وهذه الظاهرة كثرت بشكل مزعج، حتى وجد من هذا الصنف أناس يتصدرون الدعوة إلى الله، وتوجيه الشباب على هذا النمط، بمجرد أنهم يملكون من المعرفة والثقافة العامة والكم الهائل من المعلومات الشرعية، دون معرفة للضوابط ولا للأصول ولا للمناهج ولا لكيفيات التطبيق وكيفيات العمل، ولا لطريقة أئمة الدين في تناول مسائل العلم وتطبيقها على النوازل والحوادث.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015