المسألة السادسة: كلمة إنصاف، وسأتكلم فيها عن نوعين من الدعاة: النوع الأول: طلاب العلم الشرعي، فنحن في هذه البلاد أشهد أني أرى عليهم علامات الرشد، والالتفاف حول العلماء، والاسترشاد بهم والتلقي عنهم، وهذه ظاهرة سارة وهي الأصل، وينبغي أن نشجع الشباب عليها وسائر طلاب العلم.
كما أني أرى من المظاهر السارة للشباب: استقامة العقيدة، واستقامة السلوك، والحرص على تلقي العلم الشرعي بمناهجه وأساليبه الصحيحة من مصادره الأصلية، كتب السلف المستمدة من الكتاب والسنة، وعلى أهله وهم العلماء أئمة الدين، والمشايخ الذين هم القدوة، وهذه ظاهرة تبشر بخير، لكن مع ذلك هناك بعض الظواهر التي أشرت إليها، والتي هي أحياناً قد تكون من النتائج الطبيعية للإقبال الكبير، وبحمد الله فإن غرس الله قد ظهر، وريح الإيمان قد هبت، وإقبال الشباب منقطع النظير، حتى يكاد يكون أكبر من أن يتحكم به بالإرشاد والتوجيه.
وهذا أمر يجب أن نفرح به وأن نستبشر به، وهو علامة خير وبركة، ولله في ذلك حكمة هو يعلمها، ولا يمكن أن يكون هذا الإقبال على الخير مجرد ظاهرة اجتماعية، أو مجرد ردة فعل لأوضاع سيئة كما يقال، بل الأمر أكبر من ذلك، فالأمر هو من مراد الله، ومن سننه التي لا تتبدل ولا تتخلف، فقد بلغ السيل الزبى، وقد طغى الزبد، ولابد أن يذهب الزبد جفاء، ولا يمكن ذهابه إلا بجهود بشر، والبشر الذين يصطفيهم الله لابد أن يكونوا على علم وفقه في الدين، وأظن أن الله سبحانه وتعالى اصطفى هذا الجيل الخيِّر ليقوم بدور عظيم طالما تخلف عنه المسلمون في نصرة الإسلام ونصرة الحق، وهذا قدر الله وأمره، وهي سنة الله ولا راد لسنته، لكن مع ذلك لابد من علاج بعض الظواهر التي تنشأ بشكل طبيعي من هذا الاتجاه العارم إلى الخير، وإلى طلب العلم الشرعي في هذه البلاد.
وقبل أن أخرج من هذه النقطة أحب أن أنوه عن أمر آخر، وهو أنه بحمد الله يوجد في هذا البلد من المشايخ الذين هم على السنة والاستقامة من فيهم الخير والبركة، كما يوجد من طلاب العلم والدعاة الذين يجمعون بين العلم والدعوة العدد الوافر الذي به -إن شاء الله- ستسترشد وتستنير الدعوات.
النوع الثاني: الدعوات في الخارج، فأنا حينما تكلمت عن بعض الظواهر الماضية فإن كلامي فيه شيء من العموم، لذا قصدت أن أبدأ به، مع أنه كان من الأولى أن أنصف وأن أقول أو أذكر الجوانب الإيجابية والخيرة في الدعوات التي هي في سائر العالم الإسلامي قبل ذلك؛ لكن نظراً لأن الموضوع متعلق بظاهرة الفصل بين العلماء والدعاة، كان لابد من إشعاركم بهذه الظاهرة أولاً، ثم أعود فأقوم بتقدير جهد الدعوات المعاصرة بشموليتها وبعمومها.
وعليه فالدعوات المعاصرة في شتى العالم الإسلامي وفي غير الإسلامي التي تحمل لواء الدعوة فيها خير كثير، رغم ما يعتريها من نواقص ومن خلل، وإذا قارناها بأحوال المسلمين فإنها أصلح من أحوال عامة المسلمين، ورجالها ودعاتها وشبابها لاشك أنهم قاموا بواجب قصر فيه غيرهم، ويكفيهم أنهم احتسبوا الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى ورفعوا رايتها، وتعاطفوا من أجل الإسلام، وانتصروا للإسلام في قضاياه الداخلية والخارجية كل بقدر جهده وبأسلوبه.
وهذا فضل لهم لابد أن يذكر ويشكر، ثم إن الدعوات المعاصرة أيضاً ليست كلها وقعت فيما ذكرت، بل البعض منها، وإلا ففيها من هو على السنة والاستقامة في السلوك والعمل والنهج الصحيح، وفيها ممن يتلقى عن العلماء، وأظنكم تعفوني من الأمثلة؛ لأن الأمر في مثل هذه المحاضرة لابد أن يأخذ صيغة العموم، وكذلك أن هذا لا يتناسب مع ذكر الأسماء والشعارات.
أقول: إن بعض الدعوات في سائر العالم الإسلامي وفي غيره التي تحمل لواء الإسلام بعضها على خير وبركة، وفيها القدوة والأسوة، لكنها ليست هي الكثيرة، بل الأكثر من أصحاب الشعارات والدعوات الكبرى هم من ذكرت ممن فيهم أخطاء، وما هم فيه من أخطاء يستوجب التحذير منها أولاً، وثانياً: يستوجب النصح لهم والإرشاد والبيان، وأحسبهم -إن شاء الله- ممن يريد الحق ويسعى إليه؛ لأنهم ما رفعوا لواء الدعوة -وهذا ما ينبغي أن نظنه- إلا حسبة لله، وإلا أيضاً بحثاً عن الحق، فمن هنا أتعشم فيهم وفيكم الخير، كذلك أن يكونوا من رواد الحق وأن يقبلوا النصيحة.