المسألة الأخيرة: هي الإشارة إلى الحل، وإن كان الحل في نظري لا يمكن أن يقول به مثلي، لكن لابد من الإسهام ولو بمجرد رأي قابل للنقاش، ثم إن الحل ينبغي أن تتبناه جماعة المسلمين المتمثلة في علمائها.
وأرى أن ترفع مثل هذه المشكلات المتعلقة بالدعوات والدعاة بعرض واف ومفصل لأهل العلم من العلماء، بأفرادهم وبمؤسساتهم وبهيئاتهم في كل بلد بحسبه، ولا مانع أن جميع أحوال العالم الإسلامي تعرض على علماء بلد معين إذا رؤي أنهم هم الأمثل، وأن منهجهم هو الأسلم، لكن مع ذلك لابد -وقد طرح الموضوع- أن نسهم جميعاً في بيان بعض وجوه الحلول وإن كانت قابلة للنقاش، فأرى أن من الحل لمثل هذه الظاهرة، أعني: ظاهرة الفصل بين العلماء والدعاة، أو بين العلم والدعوة ما يلي: أولاً: ضرورة اهتمام العلماء وطلاب العلم بهذا الأمر دراسة ومعالجة، فيتفرغ طائفة من المشايخ وأهل العلم والفقه في الدين لذلك، وتعكف على الحلول للنصح بها لهؤلاء الذين وقعوا فيها، ومن ذلك: تأليف الكتب والرسائل، والإسهام في وسائل الإعلام المشروعة وغير ذلك.
ثانياً: أرى أنه لابد من أن يتنقل العلماء وطلاب العلم في البلاد الإسلامية؛ ليرشدوا الناس والدعاة، وإن كان هذا هو خلاف الأصل؛ لأن الأصل أن العلماء يسعى إليهم ويسافر من أجلهم ويؤخذ العلم عنهم، ولا يأتون هم إلى الناس، لكن أقول: لا مانع في هذا الظرف وفي هذا العصر الذي نعيشه أن تسافر طائفة من العلماء إلى شتى أقاليم المسلمين، بل وحتى إلى غير البلاد الإسلامية التي يوجد بها مسلمون ويوجد فيها دعوة إلى الله.
لابد أن تتحمل طائفة من العلماء السفر والذهاب إلى أولئك لتعليمهم الفقه الشرعي، ولإرشادهم فيما يجب أن يسترشدوا به في أمور دينهم ودنياهم، خاصة في أمور الدعوة؛ لأن ظروف المسلمين الآن لا تسمح بسفر الدعاة والعامة من بلد إلى بلد إلا بصعوبة بالغة، وبأخطار ومشقات لا يتحملها أغلب الناس، وقد صُنِعتْ للمسلمين حدود فصلت بينهم، وجعلت التنقل بين البلدان الإسلامية يحتاج إلى إجراءات أصعب من السفر إلى بلاد الكفار، وهذا أمر واقع ومشاهد، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ثالثاً: يجب على جميع منتسبي الدعوات وخاصة الدعاة منهم الذين يتصدرون للدعوة أن يتفقهوا في الدين على أهله، وبطرقه الشرعية الصحيحة، وأن يكون هذا من مناهج الدعوات نفسها، بأن تكثر من الدروس الشرعية، وحلق الذكر وحلق العلم.
رابعاً: ضرورة المناصحة المباشرة من كل من يرى خطأ في هذه الدعوات، ومن ذلك ما أشرت إليه مسبقاً، بل حتى المناصحة بالمراسلة؛ لأنه لا ينبغي للمسلم أن يرى هذه الأخطاء فيسكت عليها، والدعاة وعامة المسلمين لهم حق على كل من يرى خطأ منهم، وخاصة هذه الأخطاء الخطيرة التي ربما قد تؤدي إلى الانحراف والافتراق، وهي فتنة على الجميع إذا تُركت، فلابد من المناصحة المباشرة لقادة الدعوة أولاً ثم لمنسوبي الدعوات.
والمناصحة لابد أن تكون بالأسلوب الشرعي الذي يحقق المصلحة، وأقصد بهذا أن بعض وجوه المناصحة القائمة الآن لا أرى أنها تجدي ولا تفيد، بل ربما تؤدي إلى تمادي بعض الناس في الأخطاء؛ لأن أكثر وسائل النصح من المؤلفات والكتب التي تكتب في نقد بعض الدعوات والدعاة من بعض طلاب العلم فيها شيء من التهجم والقسوة والتجريح واللمز والسب أحياناً، بل والحكم باللوازم، وهذا لا أظنه أسلوباً إصلاحياً، فالأسلوب الإصلاحي: هو أن تتغاضى عما يثير في الخصم العناد أو التمادي في باطله، وتسلك المسالك التي هي مسالك الإشفاق والنصيحة وحب الخير وحب الاستقامة للآخرين، وهذا هو المنهج الذي يجب أن يسلك في تقويم الدعوات جميعاً وخاصة في هذا الوقت.
والمناصحة لابد أن تتركز على النقد الهادف المنصف المشفق الناصح، وأن يصحبها شيء من البيان بإقامة الدليل والحجة، دون إشارة إلى الخطأ أو اللمز أو السب أو التجريح أو التخطئة أو غير ذلك؛ لأننا يجب أن نفرق بين أمرين: الأول: أسلوب المناصحة وتصحيح الأخطاء.
والثاني: أسلوب البيان عند الحاجة إليه، وعليه فإذا أردنا أن نبين فلا مانع في ذكر أخطاء الدعوات، لكن بشرط ألا نشخص ولا نسمي، وإنما على القاعدة الشرعية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعلها، وهي: (ما بال أقوام).
وأسلوب المناصحة الشرعي يجب أن يكون بعيداً عن التهجم والقدح والتجريح، أو الإلزام بما لا يلزم، أو حتى الإلزام بالخطأ وإن كان واضحاً صريحاً.
خامساً: ينبغي على الدعاة والمشايخ وأهل العلم أن يعززوا من دور المؤسسات والمنظمات والمراكز الإسلامية النزيهة، كندوة الشباب العالمي والإسلامي، فإن فيها خيراً كثيراً، ولو أنها دعمت وسخرت لها بعض طاقات أهل العلم لتحقق من خلالها -إن شاء الله- نفع كثير؛ لأن لها صلة بكثير من المراكز والدعوات، وعندها من الإمكانات والوسائل ما لا يوجد عند أفراد الدعاة.
سادساً: لابد من تصحيح المفاهيم بكل وسيلة، بالكتاب، وبالكلمة، وبالمناصحة الفردية، والمناصحة الشخصية، وبوسائل الإعلام، وبالأشرطة، وبكل وسيلة نملكها، وتصحيح ال