المسألة الرابعة: أن هذه الظاهرة مع الأسف هي سمة قد بدأت تظهر في كثير من الدعوات المعاصرة، وفي كثير من الحركات الإسلامية، وفيما يلي نذكر بعض أسبابها: أولاً: أننا لابد أن نحمل هموم جميع المسلمين في كل بقاع الأرض، وهذا واجب شرعي على كل داعية وعالم، لا أن نحمل هم المسلمين في إقليم واحد، بل في جميع بقاع الأرض؛ لأن الأصل في المسلمين أنهم أمة واحدة، ومن مقتضى النصح والإشفاق عليهم بيان ما فيهم من خير وتشجيعهم عليه، وبيان ما فيهم من أخطاء وتنبيههم ونصحهم بالعدول عنها.
ومن هذا المنطلق سأتوقف كثيراً عند ذكر بعض ظواهر الخطأ في بعض الحركات الإسلامية المعاصرة خارج هذه البلاد.
ثانياً: أن هذه الظاهرة -أعني: الفصل بين العلماء والدعاة- قد بدأت تبرز عند بعض الشباب عندنا، وبعض المثقفين والمفكرين لسبب أو لآخر، ومن هنا كان لابد من الكلام عن أوضاع الدعوات المعاصرة بمجملها في جميع العالم الإسلامي، وليس في بلد واحد.
ولذا نجد أن هذه الظاهرة قد تأصلت حتى في أعمال الدعاة وحركاتهم ومواقفهم وأعمالهم ومناهجهم، فصاروا يفصلون بين العالم والشيخ، وبين العالم والداعية، وأدى هذا الفصل إلى عواقب وخيمة سأذكر شيئاً منها.
وأصبح الداعية عندهم هو من ينشط في الدعوة؛ لتحقيق مراد أصحابها، أو لتحقيق أهدافها، أو يواليها ويرفع شعارها، ويجمع الناس حوله على هذا الشعار، فهذا هو الداعية عند كثير من الدعوات المعاصرة بصرف النظر عن علمه وفقهه، بل الغالب أنه يكون من قليلي الفقه وقليلي العلم الشرعي، والمشايخ بمفهوم هؤلاء القاصرين ليسوا بدعاة، ولا يصلحون بأن يسهموا في الدعوة، أو أن يدخلوا في إطارها أو في نطاقها؛ لأن فيهم وفيهم!