المسألة الثالثة: التفصيل في هذه الظاهرة التي أشرت إليها، أعني: الفصل بين العلماء والدعاة، أو بين العلم والدعوة، أو بين طلب العلم الشرعي والدعوة، وهذا الفصل للأسف قد تركز في أذهان كثير من المسلمين لأسباب كثيرة سأذكر شيئاً منها فيما بعد.
وهذا المفهوم تركز ليس في الأذهان فقط، بل حتى في الواقع، أي: فيما تعيشه الدعوات، وما يعيشه الدعاة في كثير من بلاد العالم الإسلامي، وكما أسلفت بأن من سمات أهل البدع: التفريق بين الداعي والعالم؛ لأنهم كانوا يتخذون رءوساً جهالاً.
والداعية عندهم -أي: عند أهل الأهواء والبدع- من يخضع لأهوائهم ويلتزم بها، ويقول بمقولاتهم وينشرها وينتصر لها.
ونجد هذا الأمر جلياً في الفرق الأولى كالخوارج، فإن دعاتهم ليسوا هم العلماء، لا فيهم ولا في غيرهم، وكذلك الرافضة فإن دعاتهم جهالهم، والمعتزلة والقدرية وأهل الكلام وسائر الفرق هم الذين يفصلون بين الدعوة وبين الفقه في الدين؛ لأنهم قوم يقل فيهم الفقه في الدين، وأكثر زعمائهم ودعاتهم إنما يمتازون بالولاء للافتراق الذي هم فيه، والولاء للمقولات التي هم عليها، ولا يفقهون من الدين إلا القليل، بل ومنهم من لا يفقه شيئاً.
وأغلب دعاة هذه الفرق الذين نشروها في الأقاليم في البلاد الإسلامية قديماً من الجهلة، ومن العوام الذين لهم أهداف من أغراض أو عصبيات أو غيرها.