وقبل أن أبدأ بأحداث اليوم التي هي منذ سنين قريبة منذ ثلاثين سنة تقريباً إلى يومنا أحب أن أشير إلى أمر مهم لابد لنا في كل مسألة تتعلق بالأحداث وعلاجها أن نتذكر هذه المسألة، وهي نعمة الله عز وجل الكبرى التي تتمثل أولاً بالإسلام، وهذه نعمة لا تعدلها نعمة، وتستوجب من الشكر ما يجب أن نتفطن له، شكر القلوب والألسنة والأعمال والأفعال: فوالله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا.
هكذا كان الصحابة يقولون في أناشيدهم.
وإن هذه نعمة لها ضريبة لا تبقى إلا بأداء هذه الضريبة، وهي شكر الله عز وجل والثبات على هذه النعمة وحمايتها ثم غرسها في قلوب الأجيال مصحوبة بالاستفادة من العبر، فأكثر أجيالنا اليوم لا تعرف عبر التاريخ حتى القريب منها؛ لأنها ليس في قلوبها الثوابت الشرعية والثوابت التاريخية.
فالله عز وجل وفقنا وهدانا لنعمة السنة، والله عز وجل ابتلى الأمة منذ آخر عهد الصحابة إلى يومنا هذا بوجود الافتراق، فكانت فرق من الأمة تتساقط خروجاً عن السنة إلى سبل الأهواء والضلال التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم، فبعد الفتنة العظمى التي كان فيها قتل عثمان رضي الله عنه فتنة الغوغائية فتنة الغلاة من الخوارج وأمثالهم بعدها ظهرت أول بذور الافتراق، فظهرت الخوارج والشيعة، ثم جاءت فتن وبدع العباد الذين سلكوا مسالك الأمم الضالة في العبادة، وظهرت الطرق الصوفية، ثم ظهر الكلام في الله عز وجل والقول على الله بغير علم، فظهرت القدرية وظهرت الجهمية وظهرت المعتزلة وظهرت الفرق الكلامية وهكذا؛ مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع).
وقوله في الحديث الآخر: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة ثم قال: وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة إلا واحدة)، هذه الفرق وإن كانت لم تخرج من الإسلام إلا القليل منها -نسأل الله العافية- سلكت سبيل الردة، وحادت عن السنة فوقعت فيما نهى الله عنه من التنازع والفشل وضلوا عن سبيل الله، وأرهقوا الأمة بالافتراق، وأصابوا الأمة بالذلة والهوان فتسلط عليها العدو.
لكن مع ذلك بقي الحق في أمرين: بقي بمصادره الكتاب والسنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك)، وهذا إلى قيام الساعة.
ثم أيضاً بشر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مهما بلغ الافتراق ومهما خرجت طوائف من الأمة عن السنة وسبيل الحق إلا أنه تبقى طائفة على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم إلى أن تقوم الساعة، فتقوم الساعة وهم ظاهرون ويقاتل آخرهم مع المهدي وعيسى ابن مريم إلى أن يقضي الله بما يشاء وتنتهي هذه الدنيا وتقوم الساعة على شرار الخلق بعد أن يسخر الله ريحاً تقبض أرواح المؤمنين، لكن ذلك لا يكون إلا بفتن جسام، نسأل الله العافية.
ثم إن الله عز وجل تكفل بحفظ مصادر الدين بأن حفظ هذا القرآن، قال عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9].
وأيضاً قيض من أئمة الدين من يحفظون للأمة سنة النبي صلى الله عليه وسلم ويعملون بها.
أما خصوصية هذه البلاد فيما أنعم الله به عليها فهي تتمثل في الجماعة والسنة، هذه النعمة التي ملتها بعض أجيالنا؛ لأننا لم نعد نذكر الأجيال بهذه النعمة، حيث انصبت جهود الناس اليوم إلى الدنيا، والدنيا ضحكت للناس ضحكة الذئب، وأصبحت همَّ الأغلب إلا من عصم الله، فتركنا الأجيال فريسة الأهواء والتيارات وفريسة الشبهوات والغزو المركز الذي استهدف قلوب أجيالنا وعقولهم واستهدف سلوكياتهم وأخلاقهم؛ إنه غزو رهيب مركز عبر الوسائل المدمرة من الإنترنت حمار الدجال، ومن الفضائيات ومن الصحف ومن جلساء السوء ومن دعاة السوء، فانقسمت أجيالنا -إلا من عصم الله- بين تيارات متنازعة قسم منهم اجترفه تيار التفريط والتساهل والتميع في الدين، والتنكر للسنة وأهلها والتنكر للعلماء والتنكر للحق وثوابت الدين وثوابت هذه البلاد، وقسم آخر أيضاً اجتذبته تيارات الغلو في الدين والتشدد والتنطع والتنكر لنعمة الإسلام ونعمة الأمن والتنكر للعلماء والولاة، والتنكر أيضاً لمقومات حفظ هذه البلاد، التنكر للمسلمات الكبرى التي قام عليها هذا الكيان.
وبقيت -ولله الحمد- طوائف من شبابنا -وهي الأكثر- على البراءة والفطرة.
لكن ماذا عملنا تجاه حماية هذه الأجيال؟ فمن أعرض نسأل الله له الهداية، وكذلك من أفرط وغلا نسأل الله له الهداية وجب أن نعالج هذا، وهذا لكن أيضاً مما يجب أن يعنى به جيداً الآن كلنا آباء وإخواناً ومربين ومعلمين ومسئولين في الدولة والمحكومين كلنا يجب أن تتظافر جهودنا لحماية هذه الأجيال، وتثبيتها على ثوابت الدين الحق الذي هو مصدر عزنا.
ولعله من المناسب أن أقف على بعض المسائل المهمة في تذكير إخواني بهذه النعمة التي نحن