سادسها: كذلك تعددت أساليب السلف في بيان العقيدة وتقريرها في جانب التصنيف والتأليف على مناهج كثيرة جداً.
منها: حشد الأحاديث والآثار والنصوص عن طريق المسانيد؛ كمسند الإمام أحمد، بدون عنصرة ولا تبويب، إلا أن تسرد النصوص تحت أسماء الرواة، وهذا منهج سلكه كثير من السلف.
ومنها: حشد النصوص وتبويبها وعنصرتها في العقيدة والشريعة والأحكام والآداب، وتسمى: المصنفات الشاملة، وهي مبوبة ومعنصرة في الغالب، ككتب الصحاح والسنن، مثل: صحيح البخاري، والكتب الستة عموماً، وإن كان بعضهم لم يعنصرها، لكنه رتب الأحاديث على العناصر، ولذلك سهل على من بعده وضع العناصر، كما فعل الإمام مسلم.
منها: أسلوب حشد النصوص في تقريب العقيدة، وتقريب الأحكام والفتاوى والآداب، لكن بالعنصرة والتبويب وإن لم تكن تستعمل في القرن الأول الهجري، إنما استعملت في القرن الثاني والثالث والرابع.
ثم أتى بعد ذلك أسلوب آخر احتاجه الناس، وهو وضع المصنفات في جانب من جوانب الدين مصنفات في العقيدة مصنفات في الأحكام وسموا مصنفات العقيدة: السنن، وسموها الآثار، ومن ذلك مثلاً: السنة لـ عبد الله ابن الإمام أحمد، وإن كان فيه بعض الآداب والأحكام، لكن في جملته يقرر منهج العقيدة، وتبويبه وعنصرته يتضمن تقرير العقيدة والرد على المخالفين.
ثم جاءت بعده كتب كثيرة من هذا الباب، مثل: اللالكائي وابن بطة والآجري وغيرهم.
ثم بعد ذلك لما كثر كلام أهل الأهواء في العقيدة؛ صنفت كتب متخصصة في العقيدة، مثل: التوحيد لـ ابن خزيمة في الأسماء والصفات، ثم فيما هو أدق في مسائل عقدية محدودة، مثل: خلق أفعال العباد للبخاري، وقد كانت قضية القضايا في ذلك العصر.
ثم أيضاً في مثل قضية كلام الله عز وجل القرآن، والرد على القائلين بخلق القرآن، صنفت كتب مفردة في مسائل محدودة في العقيدة اقتضتها ظروف العصر.
فكتب السلف في الرؤية كتب مستقلة وفي الشفاعة كتب مستقلة وفي كلام الله وفي مسألة خلق أفعال العباد وفي القدر وفي الصفات وفي الإيمان، أفردوا أصول العقيدة بمفردات، بل أحياناً الأصول المتفرعة عن الأصول الكبرى أفردوها بمفردات، لحاجة الناس إلى ذلك؛ لأن أهل الأهواء أثاروا هذه القضايا أمام العامة.
وقد يكون بعض أهل الأهواء متخصصاً في بلية واحدة، لا يهمه قضايا الدين الأخرى، يكون سوسة في ركن واحد من أركان الدين، وفي استهداف هذا الأصل لوحده.
ولذلك يعاتب بعض طلاب العلم الذين يؤاخذون بعض المجتهدين في الرد على مسائل مفردة من أصول الاعتقاد، وهذا منهج سليم لا حرج فيه، وهو فرض كفاية.
فكل من رد على شبهة من الشبهات إذا عمت بها البلوى؛ فجزاه الله خيراً، ويجب أن نشكره على ذلك، ولا نقف عقبة أمام عمله.