المقدم: هناك بعض المصطلحات يوصف السلف وتراث السلف بها، فبما أننا نتكلم عن العقلانية هناك نموذج عندي الآن في بعض الصحف التي انتشرت بعنوان: التنوير صراع ضد التخلف، يقول الكاتب: لن يرضى التنوير بالانسياق إلى غياهب الظلامية التقليدية، ثم يقول: الحالة العربية خصوصاً والإسلامية عموماً حالة ظلامية.
فادعاؤه بأن الحالة الإسلامية وأن دين الإسلام دين ظلامي، هل هذه الدعاوى صحيحة؟ الشيخ: مع الأسف أصبحت هذه الشعارات الآن مرتكزاً لأصحابها؛ لزعزعة العقيدة في قلوب أجيالنا، ولمسخ العقول وحرفها عن مسارها الفطري والشرعي الصحيح، فوصف الكتاب والسنة وتراث السلف ومنهج السلف، ووصف حياة الأمة المزهرة الزاهرة القديمة بالظلامية هذا مبني على عدة اعتبارات، وكلها مبنية على الباطل: الاعتبار الأول: أن هذا وصف جاء من قبل مستشرقين وهم الذين يقيسون النور والظلام بالتقدم المادي البحت، وبحالهم الغربية التي كانوا عليها، وإلا لو وضعنا على مقاييسهم الحكم على التاريخ لوجدنا أن عصر التنور والنور هو عصر الإسلام، وهو الذي دفع البشرية بما فيها أوروبا إلى التقدم والمدنية والحضارة، وإلى العلوم التجريبية، ومع ذلك يأبون إلى أن يصفوا التاريخ الإسلامي أو تطبيقات الشرع في التاريخ الماضي بأنها ظلامية، بناء على هذا المنطلق، وهم يعتبرون أي معوِّق لنظرياتهم ولجاهلياتهم ظلام، فيأخذون الأمر بالعكس، ولذلك لو أخذنا مصطلحاتهم هذه مثل: الظلامية ومثل: الموروث، ويقصدون به كل ما ورث من الأمة حق وباطل، والإقصائية، وثقافة الكراهية ونحو ذلك من العبارات لو قلبناها عليهم لأصبحت تحمل المعاني الصحيحة، وهذه قاعدة عظيمة في كل ما يستشهدون به من وقائع التاريخ علينا أهل السنة والجماعة، أو من الأدلة الشرعية، أو من حتى المصطلحات إذا قلبناها عليهم أصبحت تحمل المضامين الصحيحة.
فالعصور الظلامية في أوروبا هي عصور النور عند العرب وعند المسلمين إلى يومنا هذا، ولا تزال الأمة تعيش النور ما دام هذا القرآن وهدي النبي صلى الله عليه وسلم بين يديها، وما دامت طائفة من الأمة على الحق ظاهرين، حتى لو لم يكن لهم كيان على المقاييس المادية كما يقول هؤلاء، ومع ذلك هذا هو النور، وامتداد منهج السلف هو النور، والظلامية هي أفكارهم وطروحاتهم.