كذلك من أسباب ظهور الشبهات: وسائل الإعلام بشتى أنواعها، وسائل الإعلام أشد نكاية على الأمة من جميع الوسائل الأخرى، حتى القوة العسكرية التي ضرب بها الكفار بعض بلاد المسلمين ويهددوننا بها، ليست أشد من وسائل الإعلام؛ لأنها بيّنة واضحة، ولأنها ظلم مكشوف لا يرضاه عاقل، لا مسلم ولا غير مسلم.
وكل عقلاء الأمم الآن يدركون أن هذا الانتهاك لحرمات بلاد المسلمين في العراق وفلسطين وأفغانستان والصومال وغيرها، كلهم يدركون أن هذا ظلم، لكنهم يخافون من جبابرة الدنيا اليوم، أما الذين يؤيدون إما لهوى وإما رغبة وإما رهبة، لكن لا يوجد أحد يؤيد بعقله السليم ما يحدث الآن من نكاية بالأمة.
إذاً: فتن الشبهات الإعلامية التي تنساب على عقول شبابنا وبناتنا ونسائنا ورجالنا بهذا الشكل المغرر هذا هو الخطير الآن على المدى البعيد، أما القوة العسكرية ستقاوم بقوة، والأمة لا تزال فيها طائفة على الحق ظاهرين بإذن الله، والفرج قريب، وكلما اشتدت انفرجت، والله عز وجل جعل مع العسر يسرين، يجب أن نتفاءل، لكن مع التفاؤل نعمل، والانتصار على القوة العسكرية محتوم إن شاء الله، وهو وعد الله الصادق، لكن المشكلة الأفكار التي لا يتنبه لها أحد إلا القليل، المشكلة الشبهات التي تنساب على عقول أبنائنا وبناتنا حتى في غرف النوم، عبر الإنترنت (حمار الدجال)، عبر الفضائيات، عبر مجالس السوء، عبر كثير من الوسائل التي توافرت، حتى الجوال الآن في جيب كل واحد إلا القليل النادر، وفيه من الشر المستطير ما يقلب عقيدة الإنسان في دقائق، وهذا مصداق حديث النبي صلى الله عليه وسلم (يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً) من كثرة ما يأتي من أفكار منحرفة تنساب إليه وهو لا يشعر، الآن نفاجأ سواء في وسائل إعلامنا أو في مجالسنا أو في بعض مظاهر اجتماعاتنا، أو من بعض شبابنا، نفاجأ ببروز أفكار خطيرة هدّامة تهدم العقيدة، وتهدم العقول، وتهدم الفضيلة، كثير من الشباب الآن بدءوا يتنكرون للعقيدة، بدءوا يتنكرون لآبائهم وأجدادهم وأسلافهم، بدءوا يتنكرون لدعوة الحق التي هي سبب هذا العز الذي نحن فيه، إنها دعوة التوحيد التي رفع رايتها الإمام محمد بن عبد الوهاب، ومع ذلك تظهر أجيال من أجيالنا تريد أن تهدمها بشبهات السوء، وتتنكر لها، بل تحملها مسئولية ما يحدث من انحرافات، العقيدة التي هي معقد العز الكتاب والسنة، العقيدة التي هي أصل الإسلام.
هذه الدعوة المباركة وجد الآن من أبنائها من يريد أن يهدمها، ويتهمها بشبهات قالها أسلافه ممن تصدوا للدعوة من الكفار وكبار رءوس البدع، ثم نسمعها من أبناء جلدتنا من أين جاء هذا؟ جاء عبر هذه الوسائل، انسابت إلينا ونحن في غفلة، بل فرطنا، فهذه مسئوليتنا، وليت جهود الذين يتعجلون بالأعمال العنيفة تنصب إلى استصلاح الأجيال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق:2] لو كل منهم اهتم بنفسه وبأسرته وبذويه وبالشباب من حوله، ورباهم على الاعتقاد الصحيح، ونمّى فيهم الغيرة على الدين بأسلوب منهجي سليم بعيداً عن التشنج والأعمال العنيفة، لكان للأمة من أمرها رشداً في هذا الواقع المؤلم، لكن شبابنا فرقوا ما بين المذاهب المتميعة وما بين المذاهب المتشددة.
وأنا عندي يقين بحكم التخصص فيما ندْرُسه وما ندَرِّسه، وما نتلقاه من تقارير وبحوث نعرف أن المحرك الأساس لهذه الفتن باسم الدين في بلدنا وفي غيرها عوامل خارجية، عوامل حاقدة حاسدة لنا، ما بين أصحاب فكر من الأصل يعادوننا، وإن كانوا يحملون اسم الدين والإسلام وما أكثرهم، فهؤلاء استغلوا غيرة شبابنا ودخلوا عليهم وتمسلموا لهم وتمذهبوا وكأنهم على مذهبهم، ثم زجوا بهم إلى مثل هذه التوجهات التي بدأت بذورها في آخر زمن الجهاد الأفغاني، الجهاد الأفغاني الأول بريء، لكن في آخره حينما نزحت جماعة التكفير والهجرة، ونزحت جماعة التبيّن، ونزحت الاستخبارات بمختلف أشكالها، بدءوا يصوغون أفكار بعض شبابنا بصبغة دينية سلفية، لكنها تحمل مضامين سياسية ومضامين فكرية ومفاهيم خاطئة نعرفها، ولو يتسع الوقت لأتيت بوثائق وما يشبه الوثائق، فرجع بعض شبابنا المتأخرين من أفغانستان وهم يحملون التنكر لبلادهم ومجتمعهم وعلمائهم ودولتهم، بدءوا يطعنون في ذمم العلماء، ثم طعنوا في الدولة وبيعتها وحقها في الشرع بمجرد وجود مفاسد، خالفوا وصية النبي صلى الله عليه وسلم، النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن الأمة ستجد أمراء من مختلف الأنواع والأصناف، منهم التقي، ومنهم الفاجر، وأمر بالسمع والطاعة للجميع، لكن بالمعروف، وأمر بالتناصح والدعاء لولاة الأمر، في أحاديث لا تكاد تخفى على أحد وهي كثيرة وصحيحة، حتى في موضوع المظالم، المسلمون في كثير من بلادهم يلقون مظالم من ولاتهم يجب أن يصبروا على الظلم، حتى الظلم الشخصي من الأثرة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث صحيح، قال: (إنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني ع