سجنه وتحويله السجن إلى مدرسة علمية

كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أستاذاً من أساتذة السنة وعاملاً من عمال الله تبارك وتعالى في هذه الأرض، ولقد ابتلي وأوذي وسجن، وهذا معلم واضح من معالم طلاب العلم في هذه الحياة، فإنك إذا ذهبت تستقرئ سير وتواريخ الأنبياء، وأتباع الأنبياء في سائر الأثبات والمصنفات ستجد بعد ذكر اسمه وشيوخه وتلاميذه ومصنفاته يقولون: محنته؛ لأن امتحان طالب العلا لابد أن يكون شيئاً متحققاً: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:1 - 3].

وقد ابتلي ابن تيمية رحمه الله تعالى بالإيذاء النفسي، والبدني، وبالتضييق عليه، واعتقل وسجن أكثر من مرة حتى كانت وفاته في السجن رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وأنزل الابتلاء والأذى على سائر تلاميذه ومحبيه، وصودر ما لديهم من الكتب، وكانت معه مواجهات صمد فيها صمود الجبال الرواسي حتى إنه لما دخل السجن حوله إلى مدرسة علمية، وانفتل إلى الناس يدرسهم الفقه والحديث والتفسير حتى تحول السجن من مكان للصوص والشطار وأكابر المجرمين إلى مدرسة علمية تربوية! يقول المؤرخون: حتى كان الرجل يأتيه الإذن بالإفراج من الوالي فيبكي ويرفض الخروج من السجن؛ لأنه يريد أن يلازم شيخ الإسلام ابن تيمية، فتحول السجن إلى مدرسة ابن تيمية للعلوم الشرعية رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهذه هي الهمة العالية! فالإنسان المثمر هو كالغيث أنى نزل على أرض أنبت فيها المرعى والعشب والكلأ، فلابد أن تظهر آثارنا على المجتمع وعلى من حولنا من الناس، ولا يكون ذلك إلا بعلم وإخلاص وتطبيق وعمل؛ لأن اقتران العلم بالعمل يذهب من النفوس الشك والتكذيب، ويدفع الناس إلى الثقة والانقياد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015